2023-05-03

الوطن العربي المختل عقليا ونفسيا

 

لو منحت نفسك كأقل أقل تقدير 5 سنوات كي تتفرغ لقراءة التاريخ العربي "السياسي - الإسلامي - الإجتماعي" ... فسوف تكتشف بكل أريحية وبكل سهولة أن طبيعة الشخصية العربية هي ذاتها لم تتغير منذ أكثر من 3.000 سنة وأكثر وحتى يومنا هذا أي حتى ما قبل الإسلام ... ففي الأمم التي بادت وتلاشت من أمتكم العربية من شرقها لغربها هي هي ذاتها لم تتغير بالمطلق لم تتغير إلا أن الناس هي من تغيرت ... بمعنى ناس انتقلت إلى رحمة الله وناس ولدت وشاخت وماتت وأمما اختفت وأمما ظهرت ... وهذه النقطة التي غابت عنكم جميعا وهي ذات الناس لكن ما اختلف هو شكل الحياة والتطور المذهل الذي خضعت له كل البشرية وبالتأكيد أمة العرب ليس لهم دخل ولا شأن في تلك الحضارة العظيمة التي انفجرت قبل 120 سنة على أبعد تقدير وتحديدا من يوم ما اكتشف الراديو ثم الإتصالات ثم التلفزيون ثم الهاتف النقال ثم عالم الإنترنت ومن قبلهم سيدو الجميع ألا وهي الكهرباء إلخ ... كل تلك الإكتشافات هي حضارة بحد ذاتها والحضارة هي التي تكتشف وتصنع أمرا لم يخترعه ولم يكتشفه أحدا من قبل يخدم تلك الأمة ومن ثم يخدم باقي الأمم ... وما نعيشه في أيامنا هذه يعني أننا نعيش في نعيم حضارة لكن لا أحد يريد أن يصدق أو يوثق أو يصدق أننا في ظل حضارة من باب العجز والنقص الذاتي في نفوس الكثيرين ... لأن واقعنا العربي بشكل عام أصبح مستهلكا مقلدا مستوردا لا صانعا ولا حتى عامل صناعة ؟

لو أرتم أن أخبركم عما قرأته وما بحثت فيه منذ سنوات حتى اليوم فإني سأخبركم أني لم أترك دولة عربية واحدة من المشرق إلى المغرب إلا وتعمقت فيها وبأدق تفاصيلها ... وكانت تلك المسألة هي حالة من بحث المقارنة بين الأمم السابقة والأمم الحالية في تاريخنا العربي بشكل عام ... والنتيجة هي ذات الحالة الناس في الوطن العربي هم ذاتهم في زمانكم وتتطابق تلك الصفات ما بين الأمم السابقة والحالية "مع عدم التعميم" مثل : الكذب - الرشوة - الفساد - حكام لصوص - وزراء لصوص - مسؤلين كاذبين - قضاة فاسدين ومرتشين - تجار ينهبون - شرطة مجرمين - جرائم قتل - جرائم سرقة - قطاع طرق - مناطق خارج سيطرة الدولة - صراعات فكرية وعقائدية ومذهبية - شراء ذمم - شراء مرتزقة - التلاعب بالرعية - العمالة للخارج وخيانة الأوطان - الجنس أداة وسلاح وطبيعة مجتمعية - إلخ ... أليس هذا أيضا موجود في زمانكم !!! ... صحيح ما أخبركم به من سبقكم كانوا يعانون من تلك الكوارث وحتى يومنا هذا نحن نعاني من تلك الكوارث وتعودنا على كذب المسؤلين بل الغريب والعجيب أن يخرج من بيننا مسؤل صادق لأنه حدث استثنائي لم تتعود عليه أمتنا منذ قرون وإن حدث فإنه لن يطول ... مثل الخليفة الزاهد "عمر ابن عبدالعزيز" والذي يُشَاد بعدلة حتى يومنا هذا لكن الكثيرين منكم لا يعرفون أنه لم يحكم إلا لمدة 24 شهرا فقط وأقل أي سنتين وأقل وقتل مسموما ... ولا حاجة لذكر الأسباب فمن قتله هم من سحبت منهم مميزاتهم الفاسدة وأعيد ما سرقوه إلى خزينة الدولة ... وكمثال أبسط من الواقع بذاته فلو أنك تمتلك 200 عقارا ويدرون عليك دخلا بقيمة 50 مليون دولار شهريا وفجأة الحكومة قررت تنظيم سوق العقار والذي سيضر بك وسينخفض مدخولك الشهري من 50 مليون إلى 20 مليون فهل ستصمت ؟ ... الطبيعي كلا وستجري اتصالاتك وستقدم الرشاوي لكبار المسؤلين في الدولة حتى يلجموا رئيس الحكومة أو الوزير فيتراجعون ... وهذه هي طبيعة عملية الفساد في كل زمان ومكان من وطننا العربي كانت ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا ؟

أمة تتربع العنصرية والفوقية في نفوسها وتجري كمجرى الدم بالعروق ... ففي الماضي ما هو نسبك وما هي مقدار حجم أموالك واليوم كم تملك وماذا تركب وكم راتبك وماذا تلبس ... أمة تحارب بعضها بعض وتقتل نفسها بنفسها دون أن يعلم أحد حقيقة الأمر فقط لأن السياسي أمر بذلك أو رجل الدين أفتى بذلك ... أمة لا تزال تتحدث عن جريمة قتل حدثت في سنة 680 ميلادية أي قبل 1343 سنة ... أمة فرقتها المذاهب ومزقتها اجتماعيا رغم أن ربهم واحد وحجمهم وصيامهم واحد وقبلتهم واحدة وكتابهم واحد ... أمة من فرط جهلها وبطالة شبابها كتبوا مئات الملايين من الكتب كل يفتي برأيه وكل يمزق دينه حسب اعتقاد كل منهم أنه هو فقط من يفهم الصواب ويعرف طريق الحق ... أمة تأخذ شهادات علمية بدين الله لتصل إلى مناصب رفيعة على حساب الله ... أمة تستمتع بمشاهدة وقراءة الفضائح وسيرة وخصوصية الناس ولا تأبه بالحقائق ولا تعتذر إن أخطأت ولا تستغفر ربها حين تدرك إثمها ولا تكلف نفسها عناء البحث ولا لتتبين ... أمة يحكمها الحاكم بالحديد والنار ومع ذلك تقدسه حبا وعشقا وتهيم به تمجيدا ... أمة تعرف أن هذا الوزير لص وذاك المسؤل فاسد ومع ذلك يستقبلونهم بكل ما طاب وما تلذ به الأنفس في مناسبتهم ... أمة تقول "قال الرسول - قال النبي - قال الخليفة - قال الشيخ" أكثر مما تقول "قال الله تعالى في كتابه الكريم" ... أمة لا تتراحم فيما بينها كل أمة تلعن الأخرى وكأنهم في نار جهنم وهذا يسب ذاك وتلك تشتم تلك مع أنهم لا يعرفون بعضهم نهائيا مجرد انتصارا لأنفس مريضة ... أمة تعرف المال أكثر مما تعرف الله وتؤمن بالمال أكثر مما تؤمن بالله ... أمة وأمما يشتمون الله علنا في هزلهم وجدهم في فرحهم وفي غضبهم ... أمة فيها من يحفظون كتاب الله في صدورهم ويصلون بالناس ومنهم علماء وفقهاء لكنهم كلاب سلطة وعملاء مخابرات باعوا دينهم بثمن بخس ... أمة تخاف أن تقول كلمة الحق خوفا ورعبا من الشرطة والقضاء والسجن ... أمة لا تصنع ولا تزرع وتعشق الذل والإستهلاك ... لاجئين تربع في قلوبهم الخبث والحقد كي يتنعموا بحقوق اللجوء والمواطنة في دول الغرب ويرون أن هذه حقوقهم وليس تفضلا من كائنا من يكون وتناسوا كل معاناتهم وكيف الله نجاهم من الكرب العظيم ... أمة تفرح بنجاح أبنائها لكن لا تسأل هل فهم ابنها هل تعلم حقا ... أمة أصبح المعلم وظيفة وليس مهنة والطالب أصبح هو من يتفضل على المدرس ... أمة أصبح طبيها تاجرا وتاجرها سياسيا وسياسييها تجارا وبائعها يستخدم الله بوابة لتجارته فيقسم وهو كاذب وكانه لم يسمع قط بقوم نبي الله شعيبا ... يمارس الجنس مقابل المال سرا وعلانية ... يموت حاكما لصا طاغية جرائمه ملأت كل الأرجاء ووصلت لكل الأسماع ومع ذلك تجد الكثير ممن يمجدونه حتى وهو في قبرة ويسطرون له سيرة عطرة ويبررون له كل طغيانه ... كل هذا كان موجودا منذ القدم وحتى حاضركم لكن حاضركم أكثر قسوة وأكثر تمردا وأكثر ترفا وأكثر فسادا ؟

تلك كانت سيرة الأمم السابقة وأكثر وقد اختصرت ما يشيب له الولدان لعدم الإطالة في أجزاء لا داعي لها ... فانظر هل هناك فرق بين زمانهم وزمانك ؟ ... لا فرق في تكوين وسيكولوجية الإنسان العربي "إلا من رحم ربي واتقاه" ... وسهل جدا وطبيعي جدا إذا ما رأيت من يأكل من دارك ويلعن أسرتك ويطعن ظهرك تماما كمن ينعم بخير وطنك وولائه وقلبه معلقا مع دولة أخرى ... والفروقات الزمنية وظروف الأيام هي من كانت تصنع الهجرات قديما بمعنى بسبب العلاج أو التجارة أو الهروب من جريمة أو بسبب خلافات عائلية قديما يمكن أن يحدث السفر فيستقر في دولة أخرى ويتكاثر نسله هناك ... واليوم لا توجد عائلة واحدة متماسكة مترابطة بنسبة 100% لا يوجد وهذا من المستحيل وإن وجد فإنهم ينتظرون كبيرهم يموت ليتفرق الجمع والسبب هو طبيعة حياتنا المتسارعة ووجود البديل في كل شيء ... فتغير الأخ والأخت والإبن والبنت والأم والأب والقوانين التي تشجع وتحمي كل من يتمرد على الأسرة والأبناء أصبحوا يقاضون أبائهم في المحاكم فقتلوهم وهم أحياء والأم التي تفرق ومزقت أبنائها وشتت أحفادها والأب الذي أخذ مهر ابنته وسافر ليتزوج أخرى والأب الذي أكل أموال اليتامى والأم التي تسافر لأعمال السحر فتشتري جهنم خالدة فيها بأموالها الحرام ... وحكايات تدمي القلوب من ظلم القربى وغدر الأصحاب كلها كانت موجودة في الماضي وموجودة في الحاضر والفرق بينهما أن الحاضر قد فاق ماضي الأمم بأضعاف مضاعفة من الظلم والفجور والتوحش وقلة الرحمة ... فلا فرق بين ماضي سلالاتكم وحاضركم كل ما في الأمر أنهم كانوا متخلفين بسبب طبيعة حياتهم والعالم وأنتم modern ... هم لم يكن لديهم لا كهرباء ولا سيارات ولا طائرات ولا مستشفيات ولا كل مما تنعمون به ولو بعث من في القبور ورأو حياتكم لظنوا أنهم في الجنــــة من فرط النعم التي تعيشون فيها ... لكن السلوك العربي يظل واحدا وابحثوا واقرأوا في كتاب ربكم لتتيقنوا كم كان هناك "بعضا" من الصحابة والأعراب بلا أخلاق أجلاف نزلت بهم آيات ظرفية أي أية نزلت لتتحدث عن سبب ما لحادثة ما فتكشف تفاهة وسوء فهم هذا وتلك ... فمن فشل منذ قرون هل ستصدق أنه سينجح في المستقبل إلا شكليا أي ظاهريا لكن تبقى الشخصية هي ذاتها لم ولن تتغير ... والصالح منكم عليه أن يسأل الله أن يخرج من أرضه إلى أرضا غيرها "غير عربية" أو أن يسأل الله العفو والعافية وأن يخرجه سبحانه من هذه الدنيا التافهة وربه راض عنه ... يا رب ؟



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم