2018-10-10

خاشقجي .. خطف أم قتل ؟


الصحفي جمال خاشقجي كان من المقربين من أصحاب القرار في السعودية وأعرف توجهاته أكثر من جيد فهو طبال سياسي بامتياز ... ثم أخذ نهج وتوجه الإخوان المسلمين وكان من الداعمين لثورات الربيع العربي وتلقائيا وبعد خبره طويلة بدأت منذ الثمانينات فهو استطاع أن يلعب على الحبلين بين علاقاته الأخطبوطية في السعودية ويوازن بين الربيع العربي مدحا ودفاعا عن السعودية في آن واحد ... ومهما كان التناقض في الحياة الصحفية لجمال خاشقجي لكن يسجل له أنه نجح بتحقيق انتصارات شخصية كان لها الأثر والفضل في شهرته الخارجية ... ولا دليل على ذلك أكثر من دعم الأمير الوليد بن طلال الذي دعم خاشقجي بإنشاء قناة فضائية "سياسية" وعينه مديرا تنفيذيا لها وهي "قناة العرب الفضائية" ... التي أنشأت في 2015 وأغلقت بعد أسبوع واحد فقط من افتتاحها الرسمي ليس لشيء فقط لأن فكر جمال نفسه كان السبب الحقيقي وراء ذلك بانتهاجه نفس نهج قناة الجزيرة الوضيعة التي بدأت بتأجيج الشعوب العربية بعضها ببعض ... فما كان من خاشقجي إلا أنه استضاف معارضين بحرينيين عبر الأقمار الصناعية وتلك كانت سقطة أكدت أن هذا الرجل لا يفقه شيئا في السياسة ... خصوصا إذا ما علمتم أن مقر قناة العرب كان في البحرين التي صعّدت الموقف سياسيا مخاطبة الحكومة السعودية تجاه ممارسات قناة العرب السعودية تمويلا وإدارة وتوجها فأغلقت القناة نهائيا ... وأتذكر في "تويتر" أني خاطبت خاشقجي مباشرة عبر حسابه وقلت له : بداية القناة هي نهايتها ولن تصمد شهرا واحدا والأيام بيننا ... وفي مواقع التواصل الإجتماعي أراد جمال أن يصنع له ثقلا وقد نجح في ذلك ليس بكفائته بل بكفائة وقوة علاقاته الشخصية كثيرة التشعب دوليا ... وذلك من خلال عدد من الصداقات الغربية الكثيرة والتي منحت له مقعدا في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عريقة التاريخ والخبرة والقوة والنفوذ ... وذلك عقب هروبه من السعودية ليتحول علنا إلى معارض سعودي وينظم لقافلة المعارضين التي يقدر أعدادهم بالآلاف وليس بالمئات فحسب ... ورغم اختلافي الكبير مع فكر جمال خاشقجي وتوجهاته إلا أني بالتأكيد لست مع أي ضرر قد يلحق به ليس لشيء إلا أن الأمر مرتبط بالإنسانية وحق الفرد بالتعبير عن رأيه وإن كنا لا نتفق معه جزئيا أو كليا ... فكتاب الصحافة تتفق أو تختلف معهم مرتزقة أو أشراف هم ليسوا دولا ولا حكومات ولا يملكون جيوشا ولا أجهزة أمن ومخابرات ولا ولا ولا مجرد حديث عقول ونقاشات واختلافات ولولا اختلاف البشر لما حدث أي اتفاق ؟
خطف أم اغتيال ؟
قضية اختفاء جمال خاشقجي في السفارة السعودية في العاصمة التركية "اسطنبول" ليس حدثا عاديا على الإطلاق بل هي كارثة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ... فالأمر لم يكن أمرا داخليا سعوديا أو تركيا بل هو أمر أصبح دوليا وخبرا يتصدر الصحف العالمية وقنواتها الفضائية ... والأمر كثير التشعب ومتعدد الإحتمالات لأن الموضوع دخل في الأزمة الدبلوماسية الدولية ووصل الأمر فعليا إلى أعلى مستوى دبلوماسي بين الدول ... ولذلك يجب أن نفكر بصوت عال ليس لشيء فقط لأن الأمر قد يصل إلى سقوط رؤوس سياسية كبيرة وإلى مجلس الأمن الدولي بل وحتى إلى محكمة العدل الدولية ... لأنها جريمة دولية ودبلوماسية ستنسف كليا مصداقية وسمعة إما تركيا أو السعودية ولذلك بتصوري أن الإحتمالات ستكون على الشكل التالي

1- نفي السفارة السعودية بوجود جمال في سفارتها وضعها في موقف المتهم لأنه لم يثبت خروجه بأي دليل قاطع .
2- تصريح السفارة السعودية بأن كاميراتها لا تسجل هو محض كذب وتدليس لأن كل كاميرات سفارات العالم تصور وتسجل وتحتفظ في أرشيف .
3- أكدت السلطات التركية رسميا بأن كاميرات مراقبتها سجلت دخول جمال خاشقجي إلى سفارة بلاده ولم يخرج منها .
4- أبدت السعودية تعاونها وفتحت أبواب سفارتها لتفتيش الصحفيين ثم أعطت الموافقة للسلطات التركية بإذن الدخول والتفتيش وهذا الإجراء يعتبر دفاعا عن النفس من قبل السعودية لكنها في نفس الوقت لم تقدم أي دليل على خروجه .
5- تتناقل الصحف ووكالات الأخبار العالمية خبر اغتيال خاشقجي داخل مبنى السفارة ثم تم تقطيع جثته ثم تم نقلها خارج مبنى السفارة عبر صناديق خرجت من الباب الخلفي للسفارة وهذا الإحتمال أنا أستبعده شخصيا لأنه مبالغ فيه كثيرا وإن وقع فعليا فإننا أمام سيناريو أكبر من السعودية نفسها بكل نفوذها العالمي لأنها ستكون أول جريمة قتل تتم داخل مبنى سفارة في العالم الحديث .
6- صمت السعودية على كم الإتهامات الموجهة إليها وعدم مواكبة مستوى التصريحات والبيانات بما يناسب الحدث الذي أصبح عالميا يعزز الشكوك تجاهها وهذا خطأ دبلوماسي فظيع أضر المملكة كثيرا جدا ولم يفيدها هذا الصمت .
الأهم من كل ما سبق أن الكثيرين تجاهلوا أن تركيا دولة مخابراتية بامتياز ولها خبرات لا يمكن أن يستهان بها ... فهي لها سجل حافل بتحقيق انتصارات مخابراتية باهرة ضد حزب العمال الكردستاني وضد سوريا ولها أذرع أخطبوطيه مع داعش وأنا هنا أقصد وأعني أنك أمام جهاز مخابرات يمتلك عشرات الملايين من الوثائق والتسجيلات ضد خصومه والكثرين ... وبالتالي عقلي لا يمكن أن يحلل في هذا اليوم في هذا التوقيت بصمتها "التكتيكي" إلا أن تركيا تتهيأ لأمر ما ضد السعودية فيما يخص قضية خاشقجي ... لأن الأمر مضر ناسفا لسمعتها الأمنية خصوصا وهي دولة تعتمد كثيرا على السياحة والتي هذه الحادثة تسبب ضررا بالغا لسمعتها + أن عملية اختفاء خاشقجي تمت على أراضيها + الضغط الإعلامي العالمي والذي لم يسبق له مثيلا بأن يتوحد خلف رجلا واحدا سيكون عاملا شديد الضغط على تركيا + أحزاب المعارضة التركية التي لا تريد "أردوغان" لن تترك هذه القضية تمر مرور الكرام وإلا سيكون الرئيس التركي هو الثمن والضحية وبالتالي "أردوغان" يعرف ذلك أكثر من جيد ولن يعطيهم مجالا + الصحافة التركية بدأت بالتصعيد الإعلامي بشكل لا فت وجريء ضد السعودية وأصبحت تتفاعل بشكل مؤثر في هذه القضية + تحرك وزارات خارجية أمريكا وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة شكلا عوامل ضغط أكبر من تركيا والسعودية مجتمعين ... إذن نحن أمام جريمة لا شك في ذلك سواء خطف أو قتل لكن لا توجد جثة ولا المعني في الأمر له وجود فإن كان جمال خاشقجي حيا يرزق يجب أن يظهر إلى العالم مهما كان الثمن ... أما إن كان قتل فأيضا يجب أن تظهر جثته مهما كان الثمن لكن هنا الأمر مختلف كثيرا ... فلو اكتشفت جثته خارج مبنى السفارة السعودية فالمسؤلية ستقع على عاتق السلطات التركية بنسبة 100% وستكون تركيا وحكومتها هما المتهم الأول وسيترتب عليها دفع ثمن أكبر مما تتصوره ... وأما إن ثبت اغتيال خاشقجي بالدليل المادي داخل مبنى السفارة السعودية فإن المملكة ستتعرض لزلزال سياسي كل احتمالاته ستكون مفتوحة على مصراعيها وستكون جريمة قتل دولية مكتملة الأركان ... والعدالة الدولية "العوراء" ستكون مضطرة أمام الكم المهول من الضغط الإعلامي الدولي أن تلاحق كل من تورط في هذه الجريمة أيا كانت أسمائهم أو صفاتهم الدبلوماسية أو مكان تواجدهم على وجه الأرض ... وهذه القضية ستدمر كليا سمعة تركيا أو السعودية والسؤال من المجرم الحقيقي فيهما الذي ارتكب هذه الحماقة ؟ هذا يعتمد على خاشقجي نفسه إما أن يخرج حيا أو يخرج ميتا والأكيد أن هذه القضية لن تهدأ ولن يصرف أنظار الرأي العام أي حدث أخر عنها ... لأن من يكره تركيا والسعودية حدث ولا حرج والآلات الإعلامية دارت وتحركت ولن تعرف التوقف والسؤال الذي يجب أن نسأله جميعا : هل السعودية وتركيا فعلا متورطتين في الأمر أم هناك طرف ثالث أدار العملية بعلم أو دون علم الدولتين ؟ ومن هي أجهزة المخابرات الضالعة في الأمر ؟ ... وإذا عرفت الإجابات سيكون من السهل جدا معرفة من أصدر الأمر بخطف أو اغتيال جمال خاشقجي وأيضا من السهل أن نعرف موعد سقوطه أو رحيله أو حتى مقاضاته دوليا ... وفي كل الأحوال قضية خاشقجي خرجت من الضيق إلى الأفق الدولي وأصبحت مزلزلة وستكون لعنة سيتمنى أصحابها أنهم لم يقدموا على مجرد التفكير فيها وليس ارتكابها ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم