2019-03-27

تحطيم الأحياء وتكريم الأموات ؟


الجحود والنكران والغيرة والحسد والغرور والإستخفاف والحقد والكراهية كلها خصال سيئة يتمتع بها البشر منذ القدم ... إنه أمر مألوف جدا أن العظماء والمبدعين والمخترعين والفلاسفة ونوابغ عصرهم كانوا منبوذين لا قيمة لهم ولا وزنا سواء من بيئتهم من أسرتهم من مجتمعهم من دولهم ... ولما سلموا الروح إلى خالقها وبعدها بسنوات اكتشفت مجتمعاتهم التافهة الجاهلة المريضة قيمة من فقدوا وقدر من سفّهوا وتجاهلوا ... فخلدوا أسماء من كانوا يعيشون بينهم باستحقارهم فأصبح المنبوذ عظيما والمستحقر عليما والملعون شرفا يستحق أن تتباهى أمته أنه كان منهم !!! ... وما أكثر العظماء الذين عاشوا حياة التعساء في ذل وقهر منذ آلاف السنين وقائمة من عشرات الآلاف ممن أفنوا حياتهم لخدمة مجتمعاتهم والبشرية جمعاء ... لكنهم ذهبوا ولم يعيشوا الفرح والسعادة ولا الشكر ولا الإمتنان بل عاشوا في حزن ومات الكثير منهم دون أن يجد حتى من يبكي عليه و 99% من عظماء الأرض لا أحد يعرف أين دفنوا أو مكان قبورهم وكأنهم مجرد نكرات ؟
 
في زماننا هذا أي الـ 33 سنة أي الجيل ابحث ثم ابحث وابحث لن تجد تكريم عظيم وامتنان كبير إلا للمغني والمطربة والممثل والممثلة ولاعب الكرة ولاعبة الجمباز ورجل دين ووو أي كل توافه الدنيا ... ولو سألتني وهل رجال الدين من التوافه ؟ سأجيبك دون أدنى تأخير : نعم وألف نعم لأنه لم يأتي بشيء جديد بل هو دين سماوي نزل كاملا وجاهزا ولا ينتظر من أي أحد إلا أن يأخذه ويعمل به ... إذن أين تعظيم شأن العلماء والمفكرين والفلاسفة والحكماء ؟ لا شيء لا أحد لا قيمة لهم ... ولو أردنا أن نبحث في أسباب ذلك لن ترمينا عقولنا إلا أن هؤلاء يدور فلك الكون في عقولهم بجديته لا بتوافه غالبية البشر الذين لا يريدون سوى أن يضحكوا ويغنوا وهو حقهم بالمناسبة وليس عيبا ... لكن في الجانب الأخر عليك أن تفهم وتسمع وتقرأ وتشاهد وتعيش حقيقة الحياة واسألك نفسك لماذا المطاعم لا تغلق يوما واحدا ؟ ولماذا لا يأخذون إجازة سنوية مثلكم في أعمالكم ؟ ... إن الأمر ليس بالضرورة أن يكون فعلك يتطابق مع فعل الأخرين وليس بالضرورة أن يكون عملك متطابق مع عمل الأخرين لأن قوانين الحياة التي صنعها الإنسان وابتكرها هي من فرضت هذا الأمر ... وكمثال لا الحصر يستطيع عمال المطاعم وطهاتها أن يتحدوا ويقررون يوما واحدا من كل أسبوع أن يتوقفوا عن تقديم الطعام للناس لكن وقتها سيكون هناك أكثر من 2 مليار نسمة سيمر عليهم يومهم دون طعام ... ولو أن رجال الأمن قرروا يوما من كل سنة وليس شهرا أن يعطلوا جميعهم في يوم واحد لملأت الكرة الأرضية بكمية مخدرات ومؤثرات عقلية وممنوعات تكفيهم لـ 5 سنوات قادمة ... إذن الأمر بحقيقته أن هناك جدية والتزام ووعي بالمسؤلية وإن كانت مرتبطة بمكاسب شخصية أو مالية هو نفس الأمر يتطابق مع العلماء والفلاسفة ... عندما يبحثون في عمق الحياة بكل ما فيها من تناقضات حتى يختصروا لك طريق الفهم ويحققون لك معنى الإدراك الحقيقي حتى يرموا بداخلك بذرة استشعار المستقبل فتنتب بداخلك مع مرور لوقت نبتة المعرفة ثم شجرة الثقافة ... عل وعسى أن تكون من بعدهم خليفة لهذا أو ذاك وليس مستبعدا بل من حقك أن تكون أنت العالم وأنت الحكيم وأنت الفيلسوف فما هؤلاء إلا بشرا مثلنا وما نحن سوى امتداد لمن سبقونا ... وبالتالي يجب عدم الخلط وتحديد وقت الهزل ووقت الجد أي وقت الترفيه عن النفسي ووقت فهم العالم وما يحدث فيه وحوله ؟

ما سبق يعبر عن حقيقة البيئة التي نعيش فيها والتي في أحيان كثيرة تكون هي الصانعة لشخصية وعقل العالم أو المفكر أو الفيلسوف سلبا أو إيجابا ... إيجابا يتحقق بالتفاف الأسرة حول من يعتقدون من سيكون له شأنا عظيما في المستقبل وسلبا من يحطمون أحد أفراد الأسرة فتتفجر بداخله حالة من رفض الواقع ... ورفض الواقع تكون نتيجته التمرد على المحيط والبدء بصناعة وتكوين الشخصية الجديدة التي ترى المستقبل بجنون أو بتهور أو يتعقل ... ولو قرأتم معظم سيرة الفلاسفة والعلماء فإن أول نقطة تجمعهم جميعا أنهم كانوا فقراء مع الإنتباه أن فقير اليوم لا يمكن مقارنته بفقير الأمس ... بمعنى فقير اليوم يركب سيارة قطار وفقير الأمس يمضي حافيا ماشيا وسيكون محظوظا لو تنعم بركوب الحمار أو البغل أو الحصان ... وفقير الأمس كانت مقيدا بنوعية طعام محدود جدا أي مثلا 3 أو 5 أنواع من الطعام بعكس فقير اليوم الذي يرى بأم عينيه ما لا يقل عن 100 صنف طعام ... ولذلك يجب الفهم بقوة فقر عظماء الأمس لتحليل الحالة النفسية والمعنوية التي كانوا يعيشونها في مقابل قوة وشدة بأس إصرارهم فتتكون لديك حالة من الدهشة والإنبهار والإعجاب بتلك الشخصيات العظيمة التي قاومت وقهرت كل الظروف التي كادت أن تفتك في عقولهم ... هو نفس ما يحدث في أيامنا هذه فتجد شخصيات أو عقليات غريبة التفكير والنمط باهرة الإبداع في طريقة التفكير لكنك ستجد أن أسرتهم لا تقيم لهم وزنا وستكتشف أن العائلة ساخرة منه والمجتمع لا يعرفه ... بدليل أن كل الكويتيين ممن حصدوا الجوائز العلمية العالمية لم يكن للدولة أي دخل ولم يقف معهم أحد ولم يقدم لهم أي دعم بل كانت إنجازات شخصية صرفة 100% ... لكن عندما ينجح هؤلاء المميزين ويحتلوا الصفوف الأولى هنا تعلم عنهم الدولة فتطلبهم للتكريم الفاقد لأهميته وعظمته لأن الإنجاز والنجاح كان شخصي 100% وليس لأحد فضل على صاحبه على الإطلاق ... وتستمر مسرحية البشر في استحقار وتجاهل المميزين ساخرين مستهزئين بهم لكن متى اشتعل فتيل إبداع أحد منهم وانفجر في وجه العالم روعة وإبداعا تلقائيا سينتبه الجميع لهذا النابغة ويلتفوا حوله وكأنهم الأوفياء المخلصين !!! ... أرضكم مليئة بأخطر عقليات لكنهم محاربون من أهلهم وذويهم أولا ثم المجتمع يرفضهم لأنهم يحملون إبداع لا أحد يستطيع مجاراته والأهم أن الدول والحكومات لا تريد ولا تبحث إلا عن الفاشلين والفاسدين ولذلك كنا ولا زلنا وسوف نبقى أمة الجهل والتخلف وأمهر من يبيع الكلام ... فاستمتعوا بمسرحية تكريم الراحلين وتمتعوا في حياة المحطمين وعيشوا وهـــم أنكم تعلمون وأنتم لا تعلمون وأشيعوا أنكم أهل الثقافة والأدب وأنتم فقرئهم ؟

حياة لا تصنع لك فيها بصمة فاعتبر نفسك مجرد رقم فيها





دمتم بود ...



وسعوا صدوركم