2019-08-08

النفــــاق الوظيـــفي ؟


لو رصدت طريقة إدارة الشركات والوزارات في الدول المتقدمة كالصين وأوروبا وأمريكا وغيرها ستكتشف أمورا مذهلة في طريقة إدارتهم أدت إلى نجاحهم وتسيدهم على العالم ... والمدهش لديهم أن الموظف عندما تتم ترقيته والمسؤل الذي يصل إلى المناصب التنفيذية العليا والوزير لن تجد أي زحام ولن تجد طوابير تبارك له منصبه الجديد ولا حتى يرسل أحد له بطاقة تهنئه ... بل لن تجد سوى إدارة مكتبه الجديد أي بضعة أفراد وفي أول اجتماع له سيحضر المدراء لاجتماعهم بشكل طبيعي ويدخلون من فورهم في صلب إجتماعهم وأعمالهم ... لماذا هذه الثقافة ومن صنعها وكيف استمرت ولم تهتز ؟ فقط لأنهم يعتقدون أن المنصب مسؤلية وأي كرسي قيادة يعني التقدم إلى الأمام وأن المسؤل لن يستمر طويلا فإما أن يفشل فيقال أو ينجح فيتقدم في المناصب العليا ... والمدهش أيضا في فكر الإدارة في الدول المتقدمة أن الإقالة أي الفصل من العمل سمة دارجة على القيادات العليا ولأنهم ناجحين فمن يصل إلى نهاية عقده ويحصل على كامل مستحقاته هم كثر ... فلا هناك نفاق لأنهم ليسوا مرضى لكن يوجد بينهم من يحمل الخبث والجشع والفساد وهذه صفة في بعض البشر وليست تأصيلا وإجماعا ؟ 

لو بحثت وحللت في سياسة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لماذا إدارته فاشلة بدليل مغادرة إدارته أكثر من 30 مسؤلا من مختلف كبار قيادات أمريكا ... فلن تجد الإجابة صعبة وستكتشف بسهولة أن الرئيس الأمريكي الحالي يبحث عن المنافقين من يدينون له بالولاء الشخصي وليس بالولاء لأمريكا ولمؤسساتها الدستورية ... وبالتالي كل من يخالف رأي الرئيس فهو ليس له ولاء وكل من يعارض سياسته فعليه سريعا أن يقدم استقالته أو تتم إقالته وطرده من البيت الأبيض ... وهذا المرض العقلي والنفسي هو نفسه موجود في الدول العربية فتجد أسباب الفشل العربي والخليجي تتمحور حول مسألة النفاق فأيهما أكثر نفاق تجده أكثر قربا وأكثرهم فسادا أكثرهم ترقية ... وانتشر هذا المرض فأصبح كالوباء أو الفايروس الذي انتشر في المجتمعات العربية فأصبح النفاق يمشي بيننا وكأنه رجلا صالحا و "النفاق يعني الكذب" أو "قول ما ليس صحيحا" ... وحتى لو كنت صالحا أو عبقريا فإن الإفراط في مدحك يعتبر استهجانا وليس استحسانا فما بالكم ونحن نعيش في بقعة الرياء والنفاق إسمها "الوطن العربي" !!! ... ولذلك لا عجب أن نكتشف أن الولاء في معظمه للأفراد وليس للدولة للجماعات وليس لمؤسسات الدولة بدليل كلما سقط قطب كبير تهاوى بالسقوط معه زبانيته ... ولذلك الدول العربية تعيش دائما في فوضى التغيير لا يستمرون على خط واحد مدروس وليست لهم رؤية ثاقبة بعيدة النظر وكل مسؤل يلعن من سبقه ويغير وينسف كل إنجازاته ويجري تغييرات في قيادات مكتبه وإدارته وكأنه تغيير جند بجند المقياس والمعيار هو الولاء الشخصي لا للدولة ومؤسساتها ... ولذلك تجد القبضة الأمنية شديدة البطش والناس مراقبون دائما ليس لأمن الوطن والمواطنين ولا للدولة ومؤسساتها بل لحماية الرئيس أو الوزير فقط لا غير ... أما قصص الوطن والوطنية والقيم والمبادئ الرفيعة فهذه تركت للشعوب العبيطة التي تساق كما تساق البهائم لا حول لها ولا قوة عندما قبلت ورضت وخافت وجبنت من أول سياط نزل على ظهر بريء منهم ... فتحول المجتمع من مجموعات أفراد ومجتمع إلى كتلة من النفاق الشعبي فيتحول العمل إلى شعارات والمجالس إلى شعارات وحتى المنازل غرقت في الشعارات ليس لشيء فقط لأن النفاق أصبح يجري مجرى الدم في عروق معظم الشعب ؟

في حقيقة الأمر ليس مطلوبا منك أن تنافق مسؤلك إلا إن كنت أنت عبد وضيع وإن قبلك مسؤلك نفاقك فهو كائن سفيه مريض تافه الشخصية لا يصلح للقيادة ... فالقيادة لا تحتاج إلى منافقين لأن نجاح القيادة في أعمالها هي من ستتحدث عن القيادة ومدى إخلاصها ووطنيتها لأرضها وشعبها ... وفي الأمور التنظيمية وفي زمن اللوائح والقوانين والدساتير والقضاء من المؤسف أن ترتفع وتيرة النفاق والجهل والرياء والتزلف للمسؤل التافه هذا أو المسؤل الفاسد ذاك ... فأصبح الوضع أن تتسول حقوقك من أفراد وضعوا من أجل خدمتك ويتقاضون رواتبهم من المال العام أي مالك أنت والشعب ومع ذلك تجد من يتزلف ويتذلل حتى ينال حقه الطبيعي ... والفساد وصل إلى أقصى درجاته في زماننا هذا بسبب الرياء والنفاق ومسؤل يتستر على مسؤل وموظف يتستر على موظف فأصبح "بعض" رجال الأمن موظفين لدى القيادات وليسوا موظفين لأجل أمن الدولة وحماية حقوق الشعب ... والطبيب فاسد والمدرس فاسد والمهندس فاسد والمحامي فاسد وكل يصنع فساده بطريقته ويستحيل أن يجتمع أو يتكون الفساد إلا بنواة وبذرة النفاق ... فإن وجدت البذرة من يزرعها ثم وجدت من يسقيها ثم وجدت من يعتني بها طالت وتفرعت أغصانها حت تستظل الدولة بأكملها تحت شجرة الفساد وما كان الفساد لولا النفاق ,,, وما كان النفاق لولا توافه القيادات وهشاشة شخصياتهم وسهولة التحكم بهم لدرجة مطية ظهورهم وهم يبتسمون ... ومع شديد الأسف أن النفاق من صفات العرب المتأصلة المتجذرة في تاريخهم وأول من ابتدع النفاق في مجالس الدولة كان خلفاء المسلمين في الدولة الأموية ثم العباسية ثم العثمانية ثم بعد تقسيم بريطانيا للدول العربية بعد 1924 استمر النفاق في مجالس مشيخة الخليج وبين ملوك العرب ... وبالتالي مسألة تصحيح أو محاربة النفاق في مجتمعاتنا ودولنا هي مثار سخرية بل وضربا من الخيال فلا أنتم انتهيتم من عيبكم ولا أنتم انتصرتم لكراماتكم وحقوقكم والكل مستسلم لواقع مريض ومعظمكم أصبح يستظل تحت شجرة النفاق ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم