2019-08-01

الفيلوفوبيا ... رهاب الغرام ؟


الفيلوفوبيا كلمة من أصل إغريقي "filos" وتعني الحب وكلمة "فوبيا" تعني الخوف ولو جمعت "فيلوس + فوبيا" سيخرج لنا مصطلح "الخوف من الحب" ... وهي حالة مرضية نفسية من الدرجة الأولى وليست مرض عقلي تأثر بهذه الحالة مئات الملايين من البشر في زماننا هذا لأسباب قد تكون معقولة ومنطقية والبعض لديه أسباب لا أساس لها من الصحة ... وهي حالة تتفاعل في لحطة قرب قرار الإرتباط العاطفي أو الزواج فتؤثر تأثيرا بالغا على اتخاذ القرار فتبطله بل وتنسفه كليا ... وهي حالة تتخوف من الحب أو الإرتباط أو الزواج وحتى الخوف من العلاقة الغير مشروعة لإحساسها أن الإرتباط سيفرض قيودا ويقيد الحرية ... ناهيك أن أسباب الرجل تتشابه مع أسباب المرأة في هذه الحالة فكلاهما متفقين أن لا يوجد ضمان لفشل العلاقة وكلاهما لديهما نسبة الشك في الخيانة للعلاقة الجديدة ... وأيضا الرجل والمرأة الذين يعانون من "فوبيا الحب" لديهم تخوف مرتفع من نزع حريتهما أو تقيدها ويرفضون خسارة أي مساحة من تلك الحرية ... ولذلك تجد المرأة التي تعاني من "رهاب الحب" أنها تقول عكس ما تتمناه فهي تتمنى الإرتباط والعلاقة الحميمية لكنها تغطي هروبها بقوة الشخصية وباستقلاليتها وكيانها وحقوق المرأة ... حتى تنجح في إقناع الأطراف المحيطة بها أنها مستقلة وقوية على ظروف الحياة وقسوتها وأنها تملك قرارها بنفسها لكن في واقع الأمر الصورة مختلفة كليا فهي ضعيفة ومكسورة وتحتاج ... نفس الأمر ينطبق على الرجل الذي يعاني من "فوبيا الحب" فتجده مكتفيا مبتعدا عن خوض أي علاقة جديدة ربما لا يريد أن ينفق أمواله في تجربة ظنه يصل إلى 90% أنها ستفشل وبالتالي من المؤكد أنها ستفشل ... لأنه منذ البداية رفع سقف احتمالية الفشل مسبقا وبالتالي الفشل من الطبيعي أن يكون مؤكدا بالرغم من شدة احتياجه إلى المرأة الأنيس الونيس لكنه يرفض ويصر على ذلك ... وكلاهما أي الرجل والمرأة الذين يعانيان من "رعب الحب أو الخوف من الإرتباط" يعوضان غرائزهم الجنسية التي فطرهما ربهم عليها بطرق أخرى بالتأكيد غير مباشرة من خلال ممارسة العادة السرية ... وهذا أخطر جزء في الحالة المرضية النفسية فإن العادة السرية تقوي قناعتهم بالإستغناء وتساعدهم على الوحدة وتعزز من قوة حجتهم ومتى ما فرغ أحدهم من ممارسة العادة السرية عادت قوته من جديد ؟

لا يمكن أن تصف هؤلاء بالسيئين ولا المعقدين بل بالعكس ربما تجد منهم الكثرين أصحاب قلوب نقية ونفوس رفيعة وأيادي بيضاء كريمة ... لكن أيضا لا يجب أن تغفل أرائهم وأسبابهم ولا يجب أن تنظر لمشكلتهم بنظرة سطحية فالأكيد أن كل منهم قد مر بتجربة أو تجارب شديدة المرارة وعنيفة القسوة ... أدت بهم إلى أن يتخذوا قرارات شاذة ومختلفة عن طبيعة المجتمع لكنها في نهاية المطاف ما كانت وحدتهم إلا حفاظا على قلوبهم وخوفا من تكرار تجارب الفشل ... وقد نتفق معهم في ذلك وقد نختلف أيضا فالوقاية مطلوبة بالتأكيد لكن الحياة هي كذلك عبارة عن محطات وتجارب ومعاناة لم نخلق حتى نجد الكل عبدا لنا ولا الكل تحت طوعنا ... ولذلك اخترع الإنسان منذ آلاف السنين القوانين التي تنظم العلاقة بين الإنسان والإنسان ثم قوانين نظمت العلاقة بين الفرد والمجتمع ثم قوانين نظمت الدولة فتحولت القوانين إلى دساتير ... لكن يبقى قانون واحد لم يستطع أحد منذ القدم وحتى يومنا هذا اختراقه أو كسره وهو قانون الوحدة وهو قانون يصدر من السلطة التشريعية في عقل الإنسان يفرضه على نفسه وموعد تطبيقه أو تعديله أو إلغاؤه بيد الفرد نفسه لا بيد الجماعة ولا المجتمع ولا الدولة ... ولذلك المصابين بداء "رهاب الحب" في الغالب تجدهم انطوائيين يميلون إلى الوحدة وجميعهم يشتركون في نقطة أنهم جميعهم يفكرون بالغد وكثيرين التفكير ومضطربين في نومهم لا يكاد ينتظم حتى تضربه الفوضى من جديد ... هم ماهرون بل وباهرون في الحب مجانين في العلاقة أو الإرتباط يحلون سواد أيامك إلى أزهار وبساتين لا تعرف لها حدودا لكنهم لا يجدون من يستحق أن يمنحوه كل هذه العظمة من الحياة بسبب انعكاس ماضي تم إسقاطه على مستقبل مجهول ؟

هل يوجد علاج أو حل ؟ الذهاب إلى الطبيب النفسي أو التعرض إلى رحلة علاجية نفسية كلها ترهات عادت بنتائج عكسية مضاعفة أدت إلى انتكاسات فظيعة في الحالة ... لأن الإختيار هو المشكلة أي اختيار الطرف الأخر هو المعضلة في الأمر فأصحاب هذه الحالة النفسية "رهاب الحب" معظمهم يريدون الطرف الثاني الذي ربما وقد ويمكن أن يستحق الخوض والمغامرة في الإرتباط العاطفي أو الزواج منه أن يكون متطابق معهم بنسبة لا تقل عن 80% أو 90% ... وهذه النسبة قد نجدها جميعنا لكن الحذر وكل لحذر فإنها نسبة وهمية أي أنها حالة من فقدان الشديد في العاطفة أدت إلى تقديم تنازلات كلا بل انهيارات حتى تستمتع "وقتيـــا" مع طرف أخر ظهر فجأة ... وهذه الحالة الطارئة في معظمها لا تستمر أكثر من يومين إلى أسبوع كأفضل تقدير والسبب أن بعد أن تفرغ الشحنة العاطفة تحضر القدرة العقلية فتضغط على القلب فتذكره وتحذره فيصدر قرار الإنفصال أو الإبتعاد خوفا من المغامرة والدخول في المجهول ... وقد وجد البعض خروجا آمنا من هذه المعضلة أو من هذه الحالة النفسية ووجد نجاحا كبيرا لكن من خلال حل أعتذر عن عدم الخوض فيه لشدة حساسيته لكن الأمر قد نجح بالفعل ... ناهيك أن الثقافة العامة ومستوى الوعي الفكري هما عملان لا يمكن الإستهانة بهما في تحليل أي حالة وتبقى الأقدار هي التي تحدد مصير كل فرد منهم رجلا كان أو إمرأة ... وربما يأتي رجلا فيه المواصفات المطلوبة وربما تأتي إمرأة تملك كل ما يحتاجه الرجل المعني بالأمر وحتى هذا الموعد يبقى "فوبيا الحب" واقع وحقيقة في وقتنا وزماننا هذا ... جميعهم ضحايا لتجارب فاشلة أدت إلى انكسار وألم وجروح لا تندمل وذكريات لا تنطفأ حتى تلفظ الأنفاس رمقها الأخير ؟



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم