2019-07-27

حياتنا بين الثبات والتغيير ؟


إن حياة الإنسان هي عبارة عن مراحل متعددة ثم تمضي ثم يتوفاه الله ويحسب الإنسان أن بضع سنين من حياته هي مدة كبيرة جدا ... بينما الحقيقة مختلفة كليا بحسب ما روي عن الكثيرين قبل موتهم بأنهم اختصروا حياتهم وكأنهم دخلوا من باب وخرجوا من باب أخر ... أي حياة الإنسان وطاقته وذكرياته خلقت وصممت حتى تكون بحجمه وعلى قدره لا أحدا من البشر يملك أي قدرات خارقة للعادة ... بل وحتى أصحاب القدرات الخارقة الذين نشاهدهم من ذوي القوة الجسدية ومن يمشون على الجمر وغيرها من الخوارق الغير عادية هي بالأساس قدرات بشرية سبقهم بها الأولون ... وحياة الإنسان في الطفولة تختلف عن المراهقة تختلف عن مرحلة النضوج تختلف عن مرحلة التعقل والحكمة ... فمن عمر 25 إلى 40 هي فترة القوة وقمة النشاط { حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة } الأحقاف ...  من سن 40 إلى الـ 50 هي فترة التعقل والكهولة { تكلم الناس في المهد وكهلا } المائدة ... ومن 50 إلى 60 هي بداية مرحلة الشيخوخة { ثم لتكونوا شيوخا } غافر ... ومن 70 وما فوق هي مرحلة أرذل العمر أي أخر العمر وأضعفه { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير } النحل ... وشخصية الإنسان تموج في بحار التغيير فلكل مرحلة ناسها وذكرياتها فمرحلة الدراسة المدرسية تختلف عن الجامعية تختلف عن حياة الوظيفة تؤثر وتتأثر بحياة الزوجية ومسؤلية الأبناء ... وتهتز حياتنا خلال جميع المراحل العمرية إلى ما قبل الشيخوخة بأحدث عاصفة قد نتماسك فيها وقد ننهار ونتعثر وربما نتبعثر وصولا حتى إلى درجة الإنهيار والسقوط ... كمن حياته تدمرت بسبب إمرأة أو إمرأة نسفت حياتها بسبب رجل أو بسبب فقدان ووفاة شخص عزيز للغاية ومقرب جدا بسبب حادث أو حالة مرضية أو موت الفجأة أو بسبب السقوط في ظلمة المخدرات أو السجن لأي سبب ... كلها حالات حدثت بالفعل أدت إلى تدمير كبير في الشخصية وصولا إلى السقوط والإنهيار ومن يخرج من تلك الحالات متماسكا عائدا إلى رشده وصوابه لاشك أنه إنسان قوي شديد البأس يستحق كل إشادة ؟

ما بين عواصف حياتنا يتعرض الإنسان إلى متغيرات تطرأ على شخصية وتؤثر فيها تأثيرا بالغا فمن كان فاسدا يمكن أن يكون صالحا ولا أكثر مثالا واقعيا مثل الفاروق عمر ابن الخطاب ... فقد كان فاسدا مقارعا للخمر لكنه بعد أن أسلم كان رجل عدل وسيفا من سيوف الحق وهذا تغيير جذري وكلي في شخصية وطباع الإنسان ... وسيف الله المسلول خالد ابن الوليد من كافر قاتل الإسلام والمسلمين في جاهليته إلى سيفا من سيوف الله التي نصر بها الإسلام والمسلمين ... إذن من الأدلة والثبوت أن تغير وتحول الإنسان ممكنا بل وممكنا جدا فكم من رجل دين غير في شخصية الكثيرين وكم من سياسي أثّـر وغير في عقليات الملايين وكم من رجل اقتصادي فتح أفاق الكثيرين ... وهذه هي اصل الطبيعية البشرية هي التغيير فأين نحن وأين الإنسان الأول في العصر الحجري فهل نحن ننتمي إليه فكرا وعلما وثقافة وتكنولوجيا ؟ ... بالتأكيد كلا لكنه من نفس جنسنا البشري ولو أنه ظهر في زماننا لقاتلنا شر قتال لأن تكوينه العقلي لن يستوعب كل هذه المتغيرات التي سوف تكون أكبر من طاقته العقلية التي ستستنزف الكثير من طاقته ... إلا لو أنك حبسته في لوح زجاجي لمدة 6 أشهر وجلست تغذيه بالمعلومات بشكل يومي ومكثف وقتها سيستوعب الأمر شيئا فشيئا ... لكن النقيض والكارثة في ايامنا هذه وفي زماننا هذا أن الكثيرين منكم لا يريد أن يعي ويستوعب ويرفض فكرة تغيير الأخر ... بمعنى فلان كان فاسدا واليوم أصبح صالحا هذه الفكرة غير مقبولة وكأن الشخص من يرفض فكرة تغيير الطرف الأخر هو نفسه ملاكا منزلا من السماء !!! ... وهذه السقطات المؤسفة تتجلى في كل وأي خلاف سياسي أو اجتماعي أو شخصي يقع بين طرفين يأتي الطرف بماضي الطرف الأخر ... وهذه من جهالة وسوء خلق الشخص أن يأتي بماضي خصمه ويعابره أو يريد فضحه ظنا ووهما منه بأن بذلك يقضي على خصمه ... ولذلك لا عجب أن نعيش في زمن الفجور بل والطغيان في الخصومات بل ربما من تم جلب ماضيه هو خيرا من الرجل الذي أراد فضحه ناهيكم عن ميزان الأجر والثواب والإثم والذنب بين هذا أو ذاك ؟

الجهل يا سادة أن تظنوا بأن الإنسان لا يتغير لكنه بالفعل يتغير ومن لا يتغير هو الإستثناء في معادلة الحياة ... أي كل الناس متغيرون ومن لا يتغير منهم فهو من يعاني من أمراض في شخصيته وفي عقله وفهمه وإدراكه ... لأنه مستحيل أن كل العواصف التي مر بها الإنسان طيلة حياته ولا يتعلم ولا يتأثر ولا يتغير للأفضل والأحسن إلا أن يكون معقدا مريضا أو ربما ربكم لا يريده ولا يريد إصلاحه ونعوذ بالله أن نكون ممن طردهم رب العالمين من رعايته ورحمته ... لأن هناك نوعية من البشر يحملون قلوبا نجسة وعقول الشياطين ونفوس الشر والحقد والخبائث وهؤلاء ما كان لهم طريقا لرحمة رب العالمين ولا أن يهديهم لأنهم هم وبإرادتهم من اختاروا طريق الشر وجلب المصائب على أنفسهم وعلى الناس وعلى كل من يقف في طريقهم ... وإني قد عرفت بعضا من هؤلاء ما وطأ أحد طريقهم إلا وناله الأذى منهم ولا عاشروا إلا وقد خانوا ولا عاهدوا إلا وقد نكثوا بعهودهم ... ولذلك من جهالة المرء في أيامنا هذه أن يسمع ويصدق وينقل إليه حديثا فيقتنع فلا هو قد شاهد بأم عينيه ولا هو عرف وسمع من الطرف الأخر ... فلا نستغرب أن سيرة الناس تتناثر هنا وهناك دون بينة ودون دليل فقط قد قيل وقد نما إلى علمنا دون دليل أو يقين فما هي إلا هاوية الجهالة والحماقة التي أوقعوكم فيها ... فهل تبينتم قبل أن تصدقوا وهل استقصيتم قبل أن ينالكم الإثم أم أنكم ملائكة الله على الأرض ومن خالفكم أو ناقضكم هم أبالسة الدنيا ؟

المفلس هو من ذهب إلى ربه مفلسا





دمتم بود ...


وسعوا صدوركم