2019-07-23

البخيل .. عاش مذموما ويموت ملعونا ؟


البخل صفة مذمومة مكروهة تعيب صاحبها حتى بعد مماته تنفر الناس من أصحابها ويكره الناس مجالسهم ومخالطتهم ... الدينار عند البخيل هو ربه والدينار دنياه والناس مسرفون والعالم لا يعي أهمية المال وتصنيفات يطلقها البخلاء ملعونين الدنيا ومكروهين الناس ... وفي هذه المسألة ربنا سبحانه وتعالي أطلق آيات بجواب ظهور نعمته على عبده وفي مواضع أخرى حث ربنا عباده على الإقتصاد أو بالأحرى التعقل ... ففي آية وجوب ظهور النعمة { وأما بنعمة ربك فحدث } الضحى ... أي أظهر نعمة من رزقك عليك وفي آية التعقل قوله سبحانه في سورة الإسراء { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } وهذه آية فيها من حكمة وفن إدارة المال أي اصرف وتمتع لكن وفر ولا تسرف ... والحسم في المسألة بقوله سبحانه في سورة الإسراء { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا } وإفساد المال وصرفه في غير محله ولا موضعه من أدلة تملك الشيطان على الإنسان ... إذن المسألة فيها من الصرف والإمساك والتعقل والحكمة وليس فيها من البخل وليس فيها من المنع لكن لا تمسك ولا تفرط أي الميزان في الأمر هو المقصود ... لكن البخل فهذا المكروه والمذموم أي الذي لا ينفق على نفسه ولا على أهله ولا الفقراء والمحتاجين ولا يتبرع ولا يتصدق ... وفي الغالب أن البخيل بالإضافة إلى طبعه الخسيس تلتصق فيه أيضا صفة النفاق التزلف للتقرب من أصحاب المال حتى يناله أي شيء ولو الفتات وأيضا في الغالب البخلاء في غالبيتهم هم شرذمة لا كرامة لديهم ... وهم الفئة الأسهل أن تشتري ذممهم بالمال وسهل إقناعهم بالمال وتصل الأمور في سوادهم الأعظم أن يزوجك ابنته حتى لو كنت غير ذي حسب ونسب ولا أصل ولا فصل فقط فالمال وحده كافيا ... أي أنهم البخلاء رجالا ونساء لا كرامة لهم ولا مبادئ لديهم ولا قيم يتمسكون بها وكما أسلفت ربهم ودينهم دينارهم والبخيل عدو الله ؟

القصص في كتب التاريخ ومن واقع حياتنا تحدثنا أن البخيل عدو نفسه والله سبحانه سلط نفس البخيل عليه وأشغله في حياته وجعل كل حياته تمضي دون أي فائدة تذكر ... ويظن البخيل أنه الداهية وأن لا أحد يستطيع أن يجاريه بفطنته في كسب المال فالبخيل له حساباته الخاصة التي تختلف كليا عن حسابات الإنسان السوي الطبيعي ... فهو يحسب أي مال سينفقه في مدى جدواه ثم مدى العائد في الكسب فإن لم يجد المسألة مربحة فإنه يصرف النظر عنها ... ومن هؤلاء الكثير جدا وليس الكل الكثير من المشاهير في عالمنا من الممثلين والمطربين والملحنين وكتاب الشعر الغنائي والموسيقيين والرسامين والمستثقفين ممن يقتاتون على فضلة موائد علية وبسطاء القوم ... نعم وحقيقة فما تشاهدونه غير الحقيقة تماما وعكس الوقع كليا فهم وإن ملكوا الموهبة فإنهم هم من حولوا الموهبة إلى تجارة خسيسة ولذلك تجدهم دائما في خلافات وفي صراعات على عدة جبهات ... وأعرف الكثيرين الذين مهما بلغوا من العمر ومهما ملكوا من عظمة الموهبة لكن أخلاقهم الوضيعة تمنعك من حتى أن تفكر بالإتصال بهم أو التقرب منهم لأنهم قوم يعرفون كيف يأخذون ولا يعرفون كيف يعطون ... متسلقين محتالين يستخدمون مواهبهم وإمكانياتهم حتى يحصلوا على أي شيء منك بل لا تستغربوا ولا تتعجبوا أنهم حتى ينتظرون سفرة عشائك حتى لا يرجع أحدهم إلى داره دون فائدة منك ... أعرف أن ما أتحدث عنه هو ألا معقول لكنه ليس الحقيقة بل أقل من الحقيقة وسبحان الله جميعهم وقت مواجهتهم يتحدثون عن كرم سلالتهم وأصل معدنهم وأنهم بألف خير وأنهم مفرطين النعم لكنهم كاذبين والكذب بطبعهم حتى تلتحفهم قبورهم ؟

المال مهم كثيرا في حياتنا لكنه ليس كل حياتنا والمال مهم لتحقيق أهدافنا لكنه ليس لدرجة أن تكون عبدا خسيسا له ... واسألوا الأثرياء عن حياتهم فسوادهم الأعظم ليس سعيدا مثلكم أو على الأقل قانعا بحياته مثلكم ومثل ذلك الحكام فهم يملكون حق التصرف بخزائن دولهم وأموال شعوبهم لكن لا أحد منهم يستطيع أن يخرج منفردا مع زوجته أو صديقه لشرب فنجان قهوة في كافيه ولا يستطيع أن يخل السينما لمشاهدة فيلم ما ولا يستطيع أن يتجول مثلنا ... والبخيل والبخيلة كذلك هم في صراع دائم كيف ينفقون أموالهم وفيما ينفقونه وتقوم القيامة لديهم لو الحكومة رفعت سعر لتر الوقود "5 فلوس" فقط لأنه يحسب الـ 5 فلس × 50 لتر فيحصل على ناتج زيادة على ما كان يدفع ... ولذلك لا غرابة أبدا أن تجدوا البخيل والبخيلة حياتهم مرتبطة كثيرا بآلة الحاسبة التي كانت في جيوبهم قديما حتى جاءت الهواتف الذكية وحلت محلها حديثا أو تجدهم أذكياء في الحساب ... فمن بخل في دنياه بخل الله عليه في أخرته وليقنع نفسه البخيل والبخيلة بأنهم على طريق الحق فما حياتهم إلا بضعة سنين وما أخذ بخيل واحد ماله إلى قبره ... فما جمعه طيلة حياته تركه ورائه لغيره جاء مفلسا وذهب مفلسا وإثم ما كسب من مال الحرام سيحاسب عليه وإن كان مالا حلالا فإنه أيضا سيحاسب على بخله أي في الحالتين حساب البخيل ليس هينا فقد عاش مذموما ويموت ملعونا ... وما أجود أهل الكرم والنفوس الغنية فهم كان معهم مالا أو لم يكن كانوا من أجود الناس في الكرم وتجارتهم مع ربهم لا تبور { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير } البقرة .



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم