الدراما
التركية أخذت لها خطا مستقلا صعبا جريئا شاقا لكنها حققت نجاحات ساحقة واستطاعت أن
تكسب ثقة المشاهدين وتفرض الدراما التركية نفسها على كل الساحة ... ونجحت الدراما
التركية بالوصول إلى قلب الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الجنوبية ناهيك أن قوة
المسلسلات التركية نجحت بنقل اللغة التركية إلى الخارج ... والدول أو الكيانات
التي كانت في الماضي كانت واقعة تحت الحكم العثماني باتوا من السهل جدا أن يكتشفوا
من أن الكثير من مفردات لغاتهم أصلها التركية ... ودون شك أن جمهور الدراما له
ميولا وحبا وعشقا للمسلسلات "التركية والمصرية والسورية والكويتية" بحكم
أن هذه الدول هي المصدر الأساسي للفن والفنانين والتي من خلالها تتفرع وتنتشر
الأعمال الدرامية في كل مكان في كل سنة ... إلا أن المسلسلات التركية كانت هي
الفريدة والمميزة من ناحية وقت العمل الدرامي فلم يخرج مسلسل عربي على الإطلاق تحمل
كل حلقة وقت "ساعتين" والساعتين اليوم = مجموع 4 حلقات من أي مسلسل
"كويتي سوري مصري" ... وبالتالي نحن نتحدث أن مسلسل كويتي أو مصري أو
سوري واحد مكون من 30 حلقة = 7 حلقات ونصف من مسلسل تركي واحد بواقع أن العمل
الدرامي مدته 25 أو 30 دقيقة ... لكن الغريب أن المسلسلات التركية وجدت جهور لا
يستمتع فحسب بمدة الحلقة الواحدة لمدة ساعتين بل ينتظر بشغف الحلقة التي تليها
ويتابعون المواسم بحرص شديد ... ومدة ساعتين للحلقة التركية الواحدة هي مدة أكثر
من وقت فلم عربي أو أجنبي أو هندي مما يعني تلقائيا أن كاتب القصة والسيناريو ظل
سنوات وهو يكتب ويفصل الشخصيات ويرتب السيناريو ... ويعني أيضا أن أرشيف كل مسلسل
تركي = أرشيف 50 فلم عربي وأجنبي وهندي بمخزون أوراق ناهيك عن الجهود والطاقات
الغير عادية والإستثنائية في عمليات التصوير التي تستمر سنوات وليس شهور في
المسلسل الواحد ؟
هذه
الإستمرارية في الدراما التركية تعكس إيجابية أن أجور الممثلين ليست بالشيء السهل
لولا أن هناك تسويق ليس تركي محلي بل عالميا ... فيتراوح أجر أبطال المسلسلات التركية
من 100 ألف ليرة إلى 250 ألف ليرة وأكثر ولو أخذنا المتوسط 200 ألف ليرة تركية في
الحلقة الواحدة فهي = 29 ألف دولار أمريكي = 8.800 دينار كويتي ... واضرب هذا
المبلغ في 50 و 100 حلقة فأنت هنا تحدث عن أجر البطل الواحد في المسلسل يتجاوز 1.5
مليون دولار إلى 3 ملايين دولار عن المسلسل الواحد = 919 ألف دينار كويتي ...
ناهيك عن أجور الكاتب والمخرج وطاقم العمل من مهندس الصوت والمكياج والإضاءة
والكومبارس والملابس والإنتاج التي لم تكن تلك الميزانية موثوق فيها إلا وأن شركة
الإنتاج لديها الثقة بالتسويق العالمي وجني أرباح مجدية ... والأعمال التركية من
ناحية الجمال والإبداع فهي حدث ولا حرج فإن كان المسلسل رومانسي فأنت على موعد مع
الدموع والإبتسامة وإن كان المسلسل تاريخي فأنت على موعد مع الفروسية والإثارة والأحداث
المتسارعة ... فالممثلين الأتراك مدهشين بتقمص ولبس الشخصية بشكل مقنع جدا فإن كان
هناك بكاء انهالت دموعهم بغزارة وإن كانت هناك ضحكات تفجرت القهقهات بشكل مثير ...
وبالتالي أستطيع الحكم من أن "كركتر" الشخصيات هم أهل احتراف فيها
وليسوا هواة بل اليوم مشاهير الممثلين الأتراك أصبحوا مدارس عريقة جدا في التمثيل
وهذه حقيقة لا يمكن أن ننتجاهلها ؟
أكاذيب
الأتراك
في
المسلسلات التركية وتحديدا "التاريخيـــة" وجدت أن الأتراك وبشكل متعمد
يزورون التاريخ ويصورون حقائق للمشاهد وما هي بحقائق ... وعلى سبيل المثال مسلسل السلطان
العثماني "عبدالحميد الثاني" والذي تولى الحكم في 1876 وخلع من الحكم بانقلاب
في 1909 أي حكم لمدة 33 عام ... صوره المسلسل على أنه عبقري الذكاء وداهية السياسة
ويملك إيمان لا يملكه حتى الخلفاء الراشدين لدرجة أن المسلسل يتحدث أن ما من مؤامرة
ضد الحكم العثماني إلا والسلطان "عبدالحميد الثاني" كشفها وأحبطها بحمد
الله وشكره ... وهذا الأمر بالتأكيد كذب وغير صحيح نهائيا بدليل فعليا أن الخلافة
العثمانية كانت على علم مؤكد 100% من أن الإمبراطورية البريطانية تهدف وتعمل بألف
دليل ودليل على إسقاط الخلافة العثمانية ... فوقفت الخلافة العثمانية موقف المتفرج
تتلقى الصفعات من الحلفاء "بريطانيا وروسيا وفرنسا" بل تم اختراق كل الخلافة
العثمانية من قلب "أنقرة وإسطنبول" ... لكن في حقيقة الأمر أن المسلسل
يضع القليل من الحقائق التاريخية لكنه يضخمها بشكل درامي مثير لدرجة تجعلك نكره
أوروبا بأسرها وهذا هدف المسلسلات التركية التي تريد تصوير الأمر للعامة اليوم من
أنها طيبة وبريئة ومسلمة لكن القوى الغربية هي الظالمة والفاجرة والمعتدية ... وفي
مسلسل "إما الاستقلال أو الموت" صيغ العمل الدرامي لمؤسس تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك" بكم أكاذيب تعرف
أولها ولا تعرف أخرها وصورت "أتاتورك" كم هو رجل مؤمن ومسالم
ووطني ... وبالتأكيد الحقيقة عكس ذلك جملة وتفصيلا بل كان "أتاتورك"
كارها وعدوا للإسلام والمسلمين ومال كل الميل إلى ميزان أوروبا ... وكان ذوو فكر
وتوجه ليبرالي صرف زيرا للنساء مقارعا للخمر مانعا لكل أشكال التدين وأغلق آلاف المساجد ومنع الحجاب في المدارس والجامعات والكليات ... ولا أكثر ميولا وولاء
لبريطانيا من أنه عرض على السفير البريطاني في تركيا السير "بيرسي لورين"
من أن يخلفه في الحكم وبالتأكيد ما كان لا للسفير ولا لبريطانيا أن تقبل مثل هذا
العرض الغبي ... وفي مسلسل "قيامة أرطغرل " ومسلسل "المؤسس عثمان
الأول" صوروا هذه الشخصيات على أنها هم من صنعوا أمة الأتراك وهم من وحدوا
القبائل التركية وصوروا فروسية بالغوا بتعظيمها لدرجة الإفراط ... ويفهم مما سبق
أن الأعمال التركية وتحديدا "التاريخية" كانت تستهدف الداخل التركي قبل
الخارج لإعادة رفع الروح المعنوية للشعب التركي وهو ما نجح في "صناعة الإستعلاء" التركي ... مثل يوم أن انخفضت الليرة التركية كيف خرج العشرات بمشاهد فيديو مصورة
وهي تحرق الدولار الأمريكي كإشارة من أن الأتراك أمة لا تخضع ... وأظن وأعتقد أن
السياسة التركية الحالية متأثرة جدا بتاريخها القديم أو بمسلسلاتها الحديثة وذلك
من خلال شكل توسعها وانتشارها الخارجي وشكل ونوع اللغة ولهجة الخطاب الدبلوماسي ...
وفي نهاية موضوعنا هذا أقول : استمتع بالمسلسلات التركية لكن لا تسلم عقلك
للمسلسلات التاريخية فالمسلسلات ممتعة نعم لكن نتفهم أن المبالغة مطلوبة كنوع من
الإثارة في العمل لكن الكذب في التاريخ يصنع أجيالا قادمة "غبيـــة" بفضل من خدعها بأكاذيب حقائق التاريخ ... لكن كمسلسلات رومانسية وإثارة وجرائم فالأتراك نجحوا في ذلك
بل فرضوا أنفسهم على الدراما العربية التي تراجعت كثيرا جدا نصا وإنتاجا وتراجع
مستوى الممثلين لدرجة مؤسفة ومخجلة ؟
دمتم
بود ...
وسعوا
صدوركم