في هذا
الموضوع متعدد الأجزاء أسلط اليوم معكم على التاريخ السياسي لنظام الحكم في
الخلافة العثمانية وحجم التحول الذي أصاب "دولة تركيا الحديثة" بعيدا عن
النظام الاقتصادي والحياة الاجتماعية التي بالتأكيد يوجد فيها الشرفاء والأخيار
وأهل السلام ... لكن استهدافي للنظام السياسي هو المهم والأهم لأنه تحول النقيض
إلى النقيض وما تبعته من تغيرات على الساحة الإسلامية والعربية تحولا صنع فجوة
واسعة من وإلى ... ولذلك يجب الفهم أن هذا الموضوع هو كشفا للحقائق التاريخية
الحقيقية وليس افتراء وليس حبا أو كرها في تركيا بل بالعكس كتبهم التاريخية هي من
تتحدث عن ذلك وأكثر مما سأسرده بكثير جدا ... ناهيك أنكم كمتلقين للموضوع يجب أن
تضعوا واقع وحقيقة سطرتها حتى الدراما التركية الحديثة التي هي أيضا سلطت الضوء
على الحياة الاجتماعية والإقتصادية بكل فسادها وقسوتها وجرائمها وكم مؤامراتها لا
أنا ولا أنتم ... وبالتالي أي سرد اقتصادي أو اجتماعي فإنه سيكون مجرد قشور ومرورا
خاطفا وضع اضطراريا في الموضوع وليس تركيزا لأن التركيز أصلا يحتاج إلى موضوع أخر
وبعدة أجزاء ... ولأن الكتاب والمؤرخين العرب لا يمكن الوثوق بسردهم لأنهم "أهل هوى" أي أنهم إن عشوا ضربهم عمى الحب وإن فجروا فإنهم يفوقون "أبو لهب وأبو جهل" طغيانا وكذبا وتدليسا ... وأنا هنا أضع التاريخ العثماني والتركي بحقيقته وأترك الحكم للقراء ؟
الخلافة
العثمانية هي من أسقطت الخلافة العباسية بعد تشتتها وضعفها وأعادة توحيد أمة
المسلمين وقمع المارقين والخارجين عن عصا الخلافة والخليفة ... والخلافة العثمانية
قامت وتأسست في سنة 1300م إلى سنة 1923م أي أكثر من 620 عام وسميت الخلافة
العثمانية نسبة إلى المؤسس الأول "عثمان خان الأول" ابن موحد القبائل
"أرطغرل ابن سليمان" وهم من قبائل "الأوغوز" ...
وسقطت الخلافة العثمانية رسميا وتأسست "تركيـــا الحديثة" بعد تولي
مؤسسها "مصطفى كمال أتاتورك" في سنة 1923 أي ولادة تركيا الحالية عمرها
97 سنة فقط ... لكن هذه الأمة لها أرث تاريخي يعود إلى الدولة العثمانية القديمة
مما أحدث صراع بين الأجيال التركية الحديثة التي جيل يعتز بالخلافة العثمانية وجيل
يفتخر بالدولة التركية الحديثة ... والفرق بين عهد الخلافة العثمانية والدولة
التركية الحديثة فرق شاسع وكبير جدا فمن خلافة إسلامية كانت كل الأمة العربية
خاضعة لها إلى دولة مدنية حديثة علمانية منفصلة كليا عن الدين ... والشخصية
التركية أي شخصية الفرد التركي بطبيعتها هي شخصية قاسية جدا وهذه القساوة مصدرها
الشدة والحزم ذات طبيعة قبائلية صرفة ثم الطبيعة المجتمعية في الخلافة العثمانية
الطويلة جدا ... لكن جيل مواليد الثمانينات ولد على عهد العلمانية والمدنية
والتداخل الثقافي الواسع فمنهم من استمر على خط المدنية العلمانية ومنهم من اعتز
بالماضي ومضى على هذا النهج ... والمجتمع التركي ليس موحدا اجتماعيا كما يظن
الكثيرين وذلك بسبب كم "فسيفساء" المجتمع التركي الذي يضم "الشركس
والأرمن والمسيحيين والمسلمين واليهود" ثم أفرزت العلمانية "ألا
ديني" أي مثل الصين دولة لا دينية لا تؤمن بدين سماوي ... وفئة "ألا
ديني" سحبت من خلفها فئة "الملحدين" وفئة الملحدين جرت من ورائها
فئة "المثلية الجنسية" كلها أقليات موجودة في تركيا الحديثة تتعايش على
أرض ووطن ومجتمع واحد ولذلك لا عجب أن نعرف أن عدد العطلات الرسمية في تركيا هي 9
أعياد في كل سنة ... ومن الجدير بالذكر أن هناك 9 أحزاب تركية معارضة مما يعطي
انطباع لمدى "الحريات السياسية" في تركيا لكن الأمر لم يكن بالصورة التي
يراها الكثيرين ... فالحريات "المطلقة" تم تحجيمها في عهد حزب
"العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يتزعمه الرئيس التركي الحالي
"رجب طيب أردوغان" وهذا ليس موضوعنا ... لكن من المهم أن ما سبق وما هو
قادم في موضوعنا هذا يجب أن لا نغيب "الظروف الوقتية" لكل حادثة ومرحلة
بحكم أننا نعيش في 2020 وما نتحدث عنه وقع وحدث قبل 100 سنة وأكثر ... لكن نسلط
الضوء على المهم والغالب على الأمر والأكثر مركزية في الحدث والأحداث لنفهم ما
استطعنا من الحالة السياسية لنظام الحكم في الخلافة العثمانية ؟
الفراق
بين الخلافة العثمانية والعرب
التاريخ
السياسي والإجتماعي بين الخلافة العثمانية وبين العرب في "شبه الجزيرة
العربية" لم يكن التاريخ المشرف الذي يمكن أن يفتخر فيه أي فريق منهما ...
فالخلافة العثمانية لم ترى أي أهمية في عرب الجزيرة العربية وقبائلها والعرب في
هذه المنطقة يرون أن الخلافة العثمانية قد تمادت بطغيانها واستحقارها لأصل العرب
وسادتها "التاريخيين" ... ناهيك أن "المعايرة السياسية" بين
الطرفين كانت سائدة فعليا ومحقرة ومهينة للعرب كقول العثمانيين للعرب "ماذا
استفادت الدولة العثمانية منكم إلا القليل من تمر الجزيرة العربية" ؟ ... والقول
العثماني هذا كان مصدره العزة والفخر والغرور في نفس الوقت وكيف لا وهي التي خاضت
أكثر من 100 حرب ومعركة عبر تاريخها بينما العرب في نفس التاريخ لم يخوضوا حروبا
قاسية مثل العثمانيين ... وهذا ما جعل العثمانيين يدفعون ثمنه عندما تدخلت
بريطانيا في المنطقة وفي قلب الخلافة العثمانية التي ظلت لسنوات طويلة تعيش في
غرور الماضي منفصلة عن تغيير الواقع الظرفي آنذاك من أن العالم بعد اكتشاف النفط
يتغير ويتغير سريعا وبقوة ... فعانى الجيش العثماني من انتقام أهل العراق في
المعارك التي جرت مثل معركة "العمارة أو كوت العمارة" و
"الفاو" و "بغداد" وفي مناطق أخرى انتفض الجميع للإنتقام من قوات الجيش
العثماني في المدينة المنورة والطائف والعقبة الأردنية ودمشق وحلب وغيرها ... جر
ذلك تمرد مشيخة الخليج أمثال "الشيخ مبارك الصباح" في الكويت و "عبدالعزيز آل
سعود" في السعودية و "الشريف حسين" ملك الحجاز وهذا التشجيع على التمرد والخروج
على الخلافة العثمانية لم يكن صدفة على الإطلاق ... فسقوط الخلافة العثمانية في
مصر سنة 1867 "قبل 50 عام من التمرد الشامل" وشلل وعجز الخلافة
العثمانية عن استردادها كانت أول علامة مؤكدة على تهلهل وضعف وهشاشة الخلافة
العثمانية وعلامة تنبؤ بسقوطها وزوالها ... ناهيك أن الفرنسيين والبريطانيين كان
هدفهم إسقاط الخلافة الإسلامية وتقسيم المنطقة وإعطاء سادة المناطق حكم دولهم حكم
"سياسي واجتماعي واقتصادي" مطلق وهذا الأمر بحد ذاته كان إغراء لا يمكن
مقاومته ... فبعد أن تابع للخلافة العثمانية تصبح سيدا وحاكما مستقلا في دولة
مستقلة وذات سيادة برعاية وحماية القوى التي ظهرت آنذاك بلا شك هذا عرض لا يقاوم
ومصلحة تاريخية لا تعوض ... وهذا ما حدث بالفعل فبدأ الكل يأخذ ويقتص بثأره من
العثمانيين "يهود مسلمين مسيحيين" لا أحد وقف معهم على الإطلاق بل حتى
من قلب الدولة العثمانية نفسها أخذ الكل يأخذ ثأره وليس العرب فحسب ... فانتفض
الأرمن والشركس والمسيحيين في صوفيا وأثينا وفي المغرب العربي وأفريقيا الكل انتفض
ضد العثمانيين وليس العرب في الجزيرة العربية فحسب ... ويسجل لمؤسس تركيا الحديثة
"أتاتورك" أنه الوحيد الذي استطاع وقف حالة التمزق في الأراضي التركية
فلم يبقى لها إلا شكلها الحالي الذي ترونه على الخريطة الدولية العالمية بموجب
اتفاقيات سياسية دولية وليس بسبب القوة ولا النفوذ ؟
انسلاخ
تركيا الحديثة عن الإسلام
بعد
سقوط الخلافة العثمانية وولادة تركيا الحديثة انتهج مؤسسها "أتاتورك"
نهج الدولة العلمانية الليبرالية المطلقة وفي نفس الوقت كانت هناك حالة من الحقد
والرغبة بالإنتقام بكل ما يمت لأمة العرب والمسلمين بصلة ويفهم أنها حالة الحزين
المجروح ... فارتمى المؤسس "أتاتورك" في أحضان أوروبا وبفكر أوروبا
وسياسة أوروبا الاجتماعية فأغلق آلاف المساجد ومنع الحجاب في المدارس والجامعات
وأغلق آلاف مراكز تحفيظ القرآن وغير الأذان من اللغة العربية إلى اللغة التركية
... وشطب ومسح كل ما يمت بصلة إلى العرب والجزيرة العربية وليس هذا فحسب بل غير
المناهج التعليمية وصوروا أن العرب هم شرذمة خونة لا عهد ولا أمان لهم ... لقد
تناسوا كل من خانهم ولم يتذكروا إلا عرب الجزيرة العربية والأهم لم ولن يعترفوا
بأخطاء السياسة إبان الخلافة العثمانية وكأنها الخلافة التي كانت لا تخطئ ولم
يبحثوا ولم يراجعوا أسباب إنهيار وسقوط الخلافة العثمانية ... والتاريخ العثماني
قليلا ما ذكر أسماء وممارسات من خانوا الدولة العثمانية من أبنائها في قلب إسطنبول
التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية ويصورون زورا وبهتانا أن الخونة من رعايا والتابعين للخلافة هم
السبب ... ناهيكم أن تركيا الحديثة ونكاية وعنادا في أمة العرب كانت تركيا هي أول
دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني المحتل في مارس 1949 ... وانصرفت تركيا كليا
عن أي شأن عربي أو إسلامي لعقود طويلة جدا ولم تعود تركيا إلى الشأن العربي إلا في
أواخر تسعينات القرن الماضي ... عندما لفت انتباه الجميع عودة العلاقات
"التركية الخليجية" من خلال التعاون والتنسيق بين قطر وتركيا لإلقاء
القبض على أقوى وأكبر معارض كردي لتركيا وهو "عبدالله أوجلان" في 1999
عبر عملية مخابراتية تمت على متن الخطوط الجوية القطرية "قدم له كأسا من
العصير ونام ولما أفاق وجد نفسه في قبضة القوات الخاصة التركية" ... وبعدها
بدأ ظهور عودة تركيا سياسيا في المنطقة العربية والخليجية ؟
يتبع
الجزء الثاني
دمتم
بود ...
وسعوا
صدوركم