2020-10-05

تقسيم التحليل وفهم المقسّم ؟

 

من غرائب وعجائب السواد الأعظم من البشرية أنهم لا يستطيعون تحليل الأمور بشكل دقيق وعقلاني حتى يتبسط أمامهم المشهد بشكله الحقيقي ... وعلى سبيل المثال تجد الكثيرين لا يحب بلدا ولا شعبا بأسره والبعض وصل بالفعل إلى درجة الكره والحقد لأسباب غلب عليها الإنفعال العاطفي ... لكن العقل والمنطق وحتى الضمير السليم يخالفون بل ويعارضون مثل هذه الأحكام التي تشمل وتعمم بشكل غلب عليه الغضب فأعمى البصيرة فحجبت الحقائق ... وبكل أسف مرجعية هذه النظرة أو هذه السطحية هي الحكومات العربية تحديدا التي كثيرا ما أدخلت شعوبها في الصراعات السياسية ... ومن المهم جدا أن نعرف أن التاريخ يخبرنا أن الحكومات التي تدخل شعوبها في الصراعات السياسية كثيرا ما تعرضت لهزائم لا تعد ولا تحصى ... وحتى في الغرب وفي دول شرق أسيا لم يدخلوا شعوبهم بمثل وكم وحجم ما فعلته الحكومات العربية ... بل التاريخ يسجل لنا أن الحكومات الغربية ودول شرق أسيا أقحمت شعوبها في حالة واحدة وهي حالة الحرب أو الغزو فقط وفي التاريخ الحديث تتجنب تلك الحكومات إقحام شعوبها في الصراعات السياسية بشكل واسع ... لأنها تعلم علم اليقين أن العداء بين الشعوب لا ينتهي بين يوم وليلة بل يستمر لعقود ربما تكون طويلة لكن العداء أو الخلافات السياسية بين الحكومات قد تنتهي في يوم وليلة ؟

نفهم مما سبق أن من ضمن أسباب العداء بين الشعوب ليست الشعوب نفسها بل حكوماتهم "الصبيانية" التي أفلست سياسيا ولم يبقى أمامها إلا أخر ورقة مجنونة تلعب بها وهي ورقة "الشعب" ... ومتى ما أقحم الشعب في أي صراع سياسي هذا يعني أن الحكومة قد وقعت بيدها على دمار وهلاك شعبها لمدة لن تقل عن 10 سنوات قادمة ... ولذلك عزيزي وعزيزتي قرائي الكرام من المهم أن تعرفوا أن الإستسلام للعواطف في الحكم على دولة وشعب بأسره سيحجب عنكم حقائق حكوماتكم لا تريدكم أن تفكروا فيها بل وتحرم عليكم حتى مجرد التفكير فيها ... وعلى الصعيد الشخصي فإني أقسم التحليل في أي وطن في العالم من ناحية "الحكومة أي السياسة و الثقافة الإجتماعية والعلم والتطور والتاريخ" ... بمعنى أنتقد السياسة التركية لكن أمتدح ثقافتهم وفنونهم الخرافية وتاريخهم العريق فهناك حتما أمرا جميلا في الشعب أو ثقافتهم أو تاريخهم فلا يمكنك شطب كل شيء فقط لأنك لا تتوافق مع جزأ من سياسة حكومتهم ... والسعودية أيضا لا أتفق مع سياستها كليا وثقافة الشعب سطحية للغاية وترجع سبب تلك السطحية بسبب سطوة "الوهابية المتشددة" لعقود طويلة لكن لديهم موسم الحج الذي تثير الإعجاب كثيرا من حيث التنظيم ومستوى الخدمة ... وإيران سياستها جنونية ثورية لكن لديها تاريخ عريق وثقافة أمة مدهشة ... وخذ وقس على ذلك المغرب ومصر والجزائر إلخ ... وهكذا يتم التحليل والتقييم لكل بلدا تفهم أين مواطن الخلل وأين نقاط الإعجاب فتنكر الخلل وتستأنس الإعجاب لكن لا تلغي أمة بأسرها من أجل سلبيات طغت على المشهد ... وإن ما يحدث من إجبــــار الشعوب على كره شعوب أخرى لهي جريمة نكراء بكل المقاييس ؟

من يدخل الشعوب في إفلاسه السياسي ويرميهم في خضم صراعه الأحمق فقد أضر بسمعة دولته وشعبه خارجيا ضررا بالغا يستحيل أن يتلملم بين سنة وأخرى ... فالتاريخ يا سادة عندما يسجل الحقائق فإنه قاسي في التسجيل ولا يرحم في النقد لبسط الأسباب للأجيال القادمة ... لأن الحاكم والحكومة زائلون والشعوب تتوالد وتتكاثر وباقية والباقي هذا هو في يوم من يكون القاضي والحكم والجلاد ... بدليل في سجل التاريخ هناك ألف لعنة ولعنة تلحق أسماء وفي نفس الوقت هناك ألف رحمة ورحمة تتوالى على أسماء حتى يومنا هذا ... والشعوب الغبية هي من تخضع وتنجر لمهاترات وحماقات حكوماتهم السفيهة وتركع وتسجد لحكوماتهم بل ولحكامهم أيضا حتى وإن كانوا فاجرين ... فالحكومات هي من تصنع الشعب وليس العكس والحكومات هي من تأخذ الشعب من يده للأعلى وليس العكس أي القيادة هي من تعمل لأجل مصلحة شعبها وليس الشعب هو من يعمل من أجل مصلحة القيادة وإلا لسقطت صفة القيادة عن الحكومة التي يقودها شعبها ... ورغم كل ذلك على الجميع أن لا ينجر خلف أكاذيب وخزعبلات حكومته فليس كل ما تقوله الحكومات حقيقة وليس كل ما تفعله الحكومات يأتي من ضمير ... ولن تعرف كيف تحكم طالما أنك جاهل وفقير الثقافة وشخصاني النفس وأحمق الفعل فكلما زاد وعي الشعب زاد وعي الحكومة وكلما ضعفت أخلاق الشعب ضعفت أخلاق حكومته ... ومع ذلك تبقى هناك أمورا مشرقة في كل شعب في تاريخه في طبيعته في فنونه فلا تخلطوا الحابل بالنابل فتحكموا حكما أعمى فتقعوا في الجهالة مثلما وقعت أمما قبلكم في جهالتهم ؟




دمتم بود ...