2020-10-01

مــات صباح الأحمد .. مـاتت السياسة الكويتية ؟

في تمام الساعة الرابعة عصرا من يوم الثلاثاء الموافق 29-9-2020 أُعلن عن وفاة سمو أمير البلاد "الحبيب الغالي" سمو الأمير / صباح الأحمد الجابر الصباح عن عمر يناهز الـ 91 سنة ... وفي تماما الساعة 2.30 من عصر يوم الأربعاء الموافق 30-9-2020 هبطت الطائرة الأميرية في مطار الكويت الدولي وهي تحمل جثمان الراحل القادم من الولايات المتحدة الأمريكية ... وبعد الصلاة عليه في مسجد "بلال بن رباح" في منطقة الصديق تم دفن أمير الكويت الراحل في مقبرة "صليبيخات" في تمام الساعة 4 عصرا ... في يوم بكت الكويت على فقيدها الراحل الرجل الذي اهتز العالم على خبر وفاته لما له من وزن وحجم ومكانة دولية نادرا ما يحظى بها قائدا أو سياسيا ؟
لقد ماتت السياسة الكويتية نعم ماتت وأغلقت أبواب أعرق مدرسة سياسية عرفها التاريخ الكويتي الحديث ... والعلم عند الله وحده سبحانه متى ستلد الكويت رجلا سياسيا ذوو فكر ودهاء سياسي واسع وذوو خبرة عريقة بالدبلوماسية والفكر السياسي ... إننا نتحدث عن "صباح الأحمد" الإسم الذي من الصعب مقارنته مع أي سياسي لما له من تاريخ في العمل الحكومي والسياسي والدبلوماسي والقيادة دامت أكثر من 65 سنة وتحديدا من سنة 1954 إلى 2020 ... وقد تولى حقيبة وزارة الخارجية في سنة 1963 ولقب بعميد الدبلوماسية كونه أقدم وزير خارجية وله سجل تاريخي لم يحظى به أي سياسي أو دبلوماسي في كل العالم ... لقد مات "السياسي المحنك" الرجل الذي أنقذ ليس سياسيين فحسب بل أنقذ دولا وحكومات وأنظمة حكم من السقوط ... وجولاته المكوكية للإصلاح بين الأشقاء والفرقاء لا تعد ولا تحصى ولا تعجب عزيزي القارئ إذا ما علمت أن الراحل في اليوم الواحد كان يقوم بـ 3 سفرات لـ 3 دول لتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين ... كان يدافع عن قطر ويخوض جدال بسببها وكان يخوض جدالا من أجل الإمارات وكان يناصر فلسطين حتى وفاته وأنقذ مصر كثيرا وتسامى على جراح العراق وأنفق كثيرا ... وهب لنصرة الأردن والبحرين في أزماتهم الاقتصادية ولم يوقف المساعدات الكويتية لليمن ولا شهرا واحدا وأنفق مئات الملايين لمساعدة اللاجئين السوريين وعاون تونس ونصر لبنان ... كان رجلا ما ناداه مكانا في العالم للمساعدة إلا وهب إليه ملبيا ساعدا ناصرا ... لقد كان حقا رجـــلا بأمــــة ؟
في الداخل الكويتي أحبط مؤامرات لتقويض نظام الحكم وأحبط مخططات الغوغائيين وأفشل "الربيع العربي" في الكويت ... ونهضت الكويت عمرانيا في مشاريع لم يسبق لها مثيلا فقد أنشأ أكثر من 10 مستشفيات عملاقة ومشاريع الطرق حدث ولا حرج والتوسع العمراني السكاني توسع وانتشر ... أقام المسارح والإحتفالات والمهرجانات وعادت المؤتمرات الفنية والسياسية وحتى الدولية إلى أرض الكويت ... وهو صاحب فكرة منح الكويتية "ربة المنزل التي لا تعمل" راتبا يسترها ويعينها بقيمة 590 دينار = 1.900 دولار وقد تجاوز عدد ربات البيوت اللاتي يتقاضين تلك المخصصات أكثر من 8.000 سيدة ... وفي عهده أقر وسن قانون لا يوجد له مثيلا في كل العالم إلا في "أمريكا" ولا أذكر غيرها وهو "قانون المحكمة الدستورية العليا" الذي يمكن الأفراد من مخاصمة القوانين والمراسيم الأميرية وإسقاطها وإن كان مصدرها الحكومة ومجلس الأمة وأمير البلاد ... وفي عهد الراحل انطلقت الحريات لمستويات غير مسبوقة وبتراخيص واسعة وتحديدا ما بعد 2006 وحتى 2010 لكن مع الأسف الكثير من الكويتيين أساؤوا لتلك الحريات واستخدموها لأغراض غير شريفة وغير نزيهة بممارسات صبيانية وشخصانية شديدة الوضاعة ؟
وعلى الصعيد الشخصي فقد أحببت "صباح الأحمد" لأنه نهض بوطني وأنقذ وطني من الغوغائيين ومن السقوط في أحضان مراهقي وسفهاء السياسية ... أحببت رجلا لأنه جعل المواطن العربي بشكل عام يحترم ويقدّر الكويت ولا يذكرها إلا بكل خير في مقابل مواطنين عرب لا يذكرون دولا إلا بالشتم والسب والذم ... أحببت رجلا أنقذ الكويت من السقوط في مخططات خارجية وضيعة في "سوريا واليمن والبحرين وليبيا والعراق ومصر" وغيرها لا ناقة لنا فيها ولا جمل ... أحببت رجلا في أزمة "جائحة كورونا" أجبر دولا أغلقت سماؤها أمام الجميع وفتحها لجلب أبناء الكويت من كل مكان يتواجد فيه ولو كويتيا واحدا فجابت طائرات الكويت لجلب أكثر من 30 ألف مواطن ومواطنة ثم خرج الراحل ليوجه لهم كلمة ترحيب بعودتهم خصيصا لهم ... أحببت رجلا آمن بالقضاء وأنه هو الملاذ للجميع بل يعتبر أول حاكم في تاريخ الكويت يعزز الثقة بالقضاء وجعل القضاء فيصلا وحكما بين المتخاصمين ... أحببت رجلا تجاوز عمن أخطؤوا بحقه وأساؤوا إليه ولم يطلب منهم سوى الإعتذار والعودة إلى أرضهم وأهلهم سالمين بالرغم من قدرته على جلبهم مقيدين بموجب الأحكام القضائية النهائية لكنه لم يفعل ... أحببت رجلا كان يمكن أن يعلن الأحكام العرفية ويمارس الإنتقام السياسي والإجتماعي ويزج بالغوغائيين في غياهب السجون وفق الأحكام العسكرية لكنه لم يفعل ... لقد بكت الكويت على رجلا عظيما رجلا متواضعا كريما بكى على أبناءه وضحك معهم وكان معهم في كل وقت ... لقد فقدنا أخا ووالدا وصديقا وحبيبا وأميرا وقائدا ورمزا ومدرسة سياسية عريقة جدا يا هذا لقد كان تاريخا يمشي على قدمين ... يا صبــــاح يا حبيبي بعد أن انفض الجمع من حولك وبقيت أنت وربك فقط سأزور قبرك وسأجلس بجوارك لأحدثك بحديث في قلبي وصدري وسأبكي بجوارك بكاء الرجل للرجل والوفي للوفي ... وبعد اليوم سيعلم الجهلة والسفهاء نعمة حكمك ومدى حلمك وطول صبرك وكم كانوا في نعمة لم يدركوها ولم يفهموها وأن ندمهم تاليا لا قيمة له ... رحمك الله يا حبيبي ويا أميري ويا شيخنا رحمك الله أيها الرجل المتواضع رحمك الله يا أخــــر حكمـــاء العـــرب ...  رحم الله صباح الأحمد وأسكنه فسيح جناته ؟

 
 

دمتم بود