2020-09-16

سقطت ثقة المواطن بأعضاء مجلس الأمة ؟


منذ إقرار دستور 1962 وحتى يومنا هذا مر على الكويت 17 مجلس أمة بـ 17 انتخابات برلمانية بـ 10 رؤساء مجلس أمة وبعدد أعضاء 850 عضو في مقابل 36 حكومة قادها 8 رؤساء حكومات بأكثر من 350 وزيرا كل ذلك حدث على مدار 58 سنة وحتى يومنا هذا ... ومن تلك الأرقام وخلال تلك السنوات وبشكل واضح فإن التحليل السياسي لا يعطينا إلا علامة واحدة مثيرة في كل تلك الأرقام وهي أن الكويت خلال 58 سنة الماضية كانت تعيش في ظل صراعات سياسية واضحة ... وهذه العلامة تتضح من خلال وجود 17 مجلس أمة بمقابل 36 حكومة أي أن عدد الحكومات = ضعف عدد مجالس الأمة مما يستدل القارئ والباحث والمحلل أن هذا الضعف الحكومي نتيجة تلقائية لعدم توافق مجلس الأمة مع الحكومة والعكس صحيح ... ولو أردنا أن نعطي الأرقام التي تدل على الإستقرار السياسي في الكويت فيجب أن يكون عدد مجلس الأمة الـ 17 في مقابل 20 أو 25 حكومة كحد أقصى للإستدلال على حالة الاستقرار السياسي أما أن يصل عدد الحكومات بـ 36 حكومة فهذا دليل على مدى الصراع السياسي التي عاشته وتعيشه الكويت منذ 58 سنة ... ناهيكم أن الديمقراطية الكويتية قد أقصت وأبعدت نصف من يحق لهم التصويت الترشح والإنتخاب بسبب "مادة الجنسية" التي تميز الكويتيين درجة أولى ودرجة ثانية ... وأول إسفين ضرب بين الحكومة ومجلس الأمة كان من خلال تزوير انتخابات 1967 التي مارستها الحكومة في محاولة لإجهاض الدستور والعملية الانتخابية من خلال 10 دوائر انتخابية آنذاك ... ثم تبع ذلك حل مجلس الأمة في 1976 فحدث الشرخ والتصدع في العلاقة ما بين مجلس الأمة والحكومة ثم جاءت ضربة الحكومة وأمير البلاد الشيخ الراحل "جابر الأحمد الصباح" بحل مجلس 1986 وتعليق وتعطيل بعض مواد الدستور ... ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحرك نظام الحكم للإجهاض على المسيرة الديمقراطية بأسرها عبر إنشاء "المجلس الوطني" عندما خاطب أمير البلاد الراحل "جابر الأحمد" الشعب في 20-1-1990 ليعلن عن إنشاء المجلس الوطني ... كلها أحداث تاريخية "مختصرة" تدل على أن هناك صراع سياسي دائم ما بين الحكومة والمجلس بطبيعة الحال جـُــرّ الشارع إليه فأصبح الأمر لدى الشارع مسألة "حب وكره" لا مسألة فهم وتقييم وتحليل وأسباب ... نتج عن ذلك هشاشة الوعي لدى الناخبين بسبب أن هناك طرفين "الحكومة والمجلس" فترى أعضاء المجلس يمارسون وصلات الردح والتسويق الذاتي والحكومة التي تمتلك أسرار فساد هؤلاء ملتزمة الصمت التام لأنها شريك رئيسي في فساد هؤلاء ؟

في الفترة السوداء أثناء "كرامة وطن" كنت أعلم أن الحكومة فاسدة وكنت أعلم أن قادة الحراك هم أفسد من الحكومة وكنت على يقين من أن نصرة الحراك سيضيّع الكويت ... لأن المخطط لم يكن وطنيا صرفا بل كان مخططا داخليا وخارجيا لضرب الكويت ورميها في فوضى "الربيع العربي" آنذاك ... فاخترت الوقوف مع الكويت أولا ثم مع الفاسد القديم "الحكومة" لأنها يسهُل التعامل معها تضربنا نضربها تقهرنا نقهرها تلك هي العلاقة بيننا منذ القدم نعرفها ونفهمها جيدا ... والمعارضة أيضا ليست محل ثقة مطلقا لأنها وفي أثناء حراكها ما بين 2010 - 2012 مارست الإنحطاط السياسي واستغلت الحريات أسوأ استغلال عبر وضاعة الخطاب هم وأتباعهم حتى خرجت الصحف آنذاك لتتحدث أن "الكويت تواجه أزمة أخلاق" ... فقد سبوا وشتموا وطعنوا وشككوا واستهدفوا الأفراد والمؤسسات وبسبب المعارضة وحماقتها قمعت الحريات وخرجت القوانين المشددة ليدفع الجميع ثمن قلة أدب "الكثير" من المعارضة ... التي أصلا لم يكن لديها أهداف ولا قائد بل مجموعة أهداف والكثير من القادة وهذا مسلك لو اتبعته لدمرت الكويت ولضاعت بل من سابع المستحيلات أن تراها بشكلها الحالي لو اتبعت أهواء مراهقين وسفهاء السياسة آنذاك ... ولو أجريت استفتاء تحت إشراف القضاء لتبيان نسبة ثقة الشارع الكويتي بأعضاء مجلس الأمة فسوف تكون النسبة لا تتجاوز 20% كأفضل تقدير ... والكويتيين بشكل عام لم يفهموا أن أعضاء مجالس الأمة السابقة هم نفس أعضاء مجلس الأمة الحالي نفس أعضاء مجلس الأمة القادم هم نفس السلوك ونفس الحديث ونفس الشعارات ونفس الخطابات لا شيء تغير سوى تغيير الوجوه وكأنها "ديباجة" متفق عليها ... فأعضاء الستينات والسبعينات كانت أصواتهم تصل إلى أخر الكويت في قضايا الفساد ثم جاء أعضاء السبعينات والثمانينات لتصل أصواتهم في قضية الفساد إلى عنان السماء ثم جاء أعضاء التسعينات والألفين ليكموا مسرحية مكافحة ومحاربة الفساد ... واليوم وصلات الردح التي يمارسها الأعضاء جزأ لا يتجزأ من مسلسل "أنا الشريف أنا العفيف" في الجزء 17 وكأنه سباق لتحقيق نسبة مشاهدة عالية في تقديرات وتقييمات "نتفليكس" و"HBO" !!! ... فمنذ أكثر نمن 50 سنة هل انتهى الفساد ؟ هل قضينا قضوا عليه ؟ هل قلّت حتى نسبته ؟ لا شيء بل يزداد على الرغم من كل المؤسسات الرقابية لأن العبرة ليست بكثرة القوانين بل بمن يطبقها دون ازدواجية المعايير ... إذن وحتى لا نعمم تخرج لدينا قناعة ذات مرجعية تاريخية بأنه لا يقل عن 90% من أعضاء مجالس الأمة هم شرذمة كذابين فاسدين تسترت عليهم الحكومات حتى تضمن ميزانها في مجلس الأمة ... ومن أوصل هؤلاء الفاسدين ؟ الناخب الجاهل والفاسد والقبلي والعنصري والطائفي ؟
الغريب في الأمر أن وعي الناخب الكويتي "في الغالب" لا يزال وعي ساذج سطحي لا يريد أن يبحث ولا يريد أن يقرأ ولا يريد أن يفصل ما بين العاطفة والعقل ناهيك ما تفعله العنصرية والقبلية والمذهبية في مثل هذا الخط من التعاطي السياسي ... فالجهلة يظنون أن بمناصرتهم للعضو بناء على العائلة أو القبيلة أو المذهب فهذا يعني انتصارا لعنصريتهم وطائفيتهم وقبليتهم ولا يعلموا ولا يريدوا أن يعلموا أن ما يفعلونه هو طعن صارخ بكيان الدولة وخيانة صريحة للأمانة التي لولا الكويت لما كانت لهم قيمة في الخارج ... وبسبب هذا التعاطي التــــافه والسطحي نتج عن ذلك بأن "وسّـــدَ الأمر لغير أهله" فأوصل الجهلة كل فاسد وجاهل إلى أن يكون على رأس القرار التشريعي الذي يتحكم بمستقبل دولة وشعب ... ليس هذا فحسب فقد مال الجهل في الكثيرين إلى حالة نفسية مرضية أطلقت عليها "الإشتياق السياسي" أو "العشق السياسي" الذي يجعل سيكولوجية الفرد الذي يتعاطى في الشأن السياسي متعلقة بخصية سياسية أثرت فيه تأثيرا بالغا دون النظر نهائيا لأي من سلبيات أو فساد تلك الشخصية ... وهذا ما نشهده في أيامنا هذه من حالة من الرجاء والتمني من قبل المرضى والمختلين عقليا بعودة شخصيات ماضية إلى المشهد السياسي مهما كان الثمن ومثل هذا التعاطي السياسي لا يعتبر تعاطيا سياسيا بأي شكل من الأشكال بل هذه حالات مرضية ذات خلفية معاناة وترسبات في الشخصية ذاتها ... بينما الفكر والعلم السياسي يبعد العاطفة كليا عن رصد ومتابعة أداء أي من أعضاء مجالس الأمة التي أعمالهم وسلوكياتهم هي من تحدد من هو الإيجابي ومن هو السلبي وما مدى وقوة نشاطه البرلماني وسجل تصويتاته البرلمانية على ماذا ومتى كيف ولماذا ؟ ... لا على الأصوات النكرة العالية ولا على الخضوع لا للمجلس ولا للحكومة أي استقلال الرأي والقناعة وفصل العاطفة عن العقل والبر بالقسم لكن هل هذا يحدث ؟ الإجابة كلا وأبدا ... والأكيد أن المعارضة فاسدة والموالاة فاسدين والتغيير يجب أن يطال الجميع دون أي استثناء وأن وجود هذه الأسماء التي يتداولونها لهو ابتلاء من ربكم وقد ابتلينا بالجاهلين والفاسدين والتافهين وبسببهم كثر اللصوص وفقد الحياء الاجتماعي والسياسي فكثر المنافقين والمرتزقة ألا لعنة الله عليهم كم أضروا وأساؤوا للكويت وشعبها ؟

إن الساحة السياسية الكويتية بحاجة إلى تغيير واسع النطاق يتمثل أولا بتنقيح الدستور الكويتي الذي عفى عليه الزمن بسبب متغيرات الحياة والظرف والأمة وظهور جيلين وليس جيل واحد ... ولأن لا حل لمشكلة وعي الناخبين ولا حل لمرضى السياسة ومراهقي الرأي فإنه قد ثبت بالأدلة الكثيرة أن فساد الحكومة من فساد أعضاء مجالس الأمة وفساد مجالس الأمة من فساد ليس الناخبين بل من صوت لهؤلاء الفاسدين ... بدليل أصبح المشهد لدى الجميع عادي وطبيعي والكل يرى ويسمع عضو يتهم عضو أخر بالسرقة والفساد ويمر الأمر كأن لم يكن شيئا حتى وأنه قد حدث ذلك أمام رئيس الحكومة ورئيس المجلس !!! ... والحقيقة التي يجب أن تصل إلى الجميع "حكومة ومجلس" وهي أن المواطن الكويتي لم يعد يثق بكما وأن الفساد أصبح نهج السلطة التشريعية والتنفيذية وغالبية الناخبين الكويتيين إما فاسدين كأسيادهم أو جهلة وهذا لا يعفي الجميع من خيانة الأمانة وظلما للكويت ... نعم إن الإدلاء بالصوت في أي انتخابات هي أمانة ستقف يوم القيامة وستحاسب عليها مثل العضو والوزير الذين يخونون قسمهم بدعم أو ممارسة أو التستر على الفساد بالتأكيد لهم في كرب وبلاء عظيم لكن شياطينهم قد أعمتهم وربكم قد استدرجهم ليوم الحساب والعقاب ... لعنة الله على من خان قسمه لعنة الله على من صوت بدافع العائلة أو القبيلة أو الطائفة لعنة الله على الراشي والمرتشي لعنة الله على الفاسدين لعنة الله على من أساء للكويت وشعبها ؟





دمتم بود ...



وسعوا صدوركم