2021-01-01

من ابن مربي الخنازير إلى رئيس الوزراء ؟

 

من عجائب وغرائب الإنسان أنه لا يعلم أن حياته هي عبارة عن بضعة مراحل ثم يموت ... وتلك المراحل من حياته هو يظن أنه السبب فيها ويعيش مقتنعا تماما بأن الفضل الأول فيما وصل إليه هو ذاته ... لكن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق والصحيح هو أن ربكم سبحانه وتعالى لا يعرف الحظ ولا الصدفة ولا العمل بالأسباب ولا أيا مما يعلمه ويفعله ويفكر به الإنسان ... فربكم سبحانه وتعالى هو { الذي خلقك فسواك فعدلك } وبالتالي الأمر كله يرجع لله الواحد القهار سبحان من لديه علم السموات والأرض وما نحن سوى جزء يسير من سبب بسيط في جزء من صفحة من كتاب عظيم كتبه وقدره رب كل شيء سبحانه ... وبالعودة إلى موضوعنا تجد الحاكم والوزير والتاجر والمخترع والكثير من المهن وأسياد الصناعات يظنون أنهم هم السبب فيما وصلوا إليه وفيما اكتشفوه وبما كتبوه ونشروه والكثير من الظن ... ومهما بالغت في نرجسيتك أو عدم اقتناعك تصعد تنزل تذهب يمينا أو شمالا تبقى أنت مجرد سبب خُلقت لأمر ثم ينتهي عُمرك وتمضي ثم تنسى حالك كحال من سبقوك من مليارات البشر ... والسبب الذي خُلقت من أجله ليس بالضرورة أن تكون أن المعني به أنت أساسا بل ربما لتتزوج من فلانه وتنجب منها فلانا ثم فلانا يتزوج فلانه ثم ينجبوا فلانا ثم يكون حاكما أو عالما أو خُلق لأجل سبب ... إنها الأقــــــدار نعم هي الأقدار التي كتبت لك من قبل أن تخلق بآلاف السنين ليس لك دخل فيها ولا حتى بـ 1% فتصنع منك الظروف كيانا وعقلا ثم تكون سببا ثم تصنع بيدك أنت القدر الذي كتب عليك مسبقا ... فيُخيّـل للمغرور بأنه شيئا عظيما كما تصور من قبلكم ممن أصبح لديهم أتباعا وأنصارا بأن بإمكانهم تغيير تاريخ مدنهم وقراهم ودولهم فذهبوا بجرة سكين نحروا من رقابهم ودفنوا في أماكن لم ولن يعلمها أحد من الخلق إلا من خلقنا جميعا سبحانه ؟

التذمر والتنمر والسخرية هي ليست عادة البشرية حديثا كلا وأبدا بل كانت صفة دائمة ملاصقة لدى كل البشرية ... وتمتاز هذه الصفة أو يطلق عليها "الأفضل ومن الأحسن" أي عندما يحكمك سكير عربيد طاغية مجرم فالرعية ترتعب ولا تتذمر أو تتنمر منه خوفا على حياتها ... وعندما يحكم العادل المتزن ذوو الأخلاق والتواضع تنفجر الرعية تنمرا وتذمرا وسخرية منه ومن وزرائه بل وحتى من زوجاته وأبنائه ... هذا حال الإنسان منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا بل وحتى قيام الساعة لا يرتدع الخلق إلا بالقوة ولا تفهم البشرية إلا لغة القوة مع العلم بأنه ما وضعت القوانين إلا لتنظيم حياة البشرية وبسط العدل والإنصاف وفق الإجتهاد المتاح ووفق ظروف وطبيعة كل أمة ... لكن سبحان الله هذا هو الإنسان منذ خليقته وحتى قيام الساعة لا يريد أن يفهم وكثيرا ما يعشق التمرد والخروج على القوانين لفرض شخصيته أمام بيئته أو محيطه ليثبت بأنه الأقوى والأجرأ "إلا من رحم ربي" ... ففي التاريخ البشري كان العمل بفرض القوة والإكراه والإجبار ومن لا يتعرض لهذا فيجب أن يعمل حتى يكسب مالا حتى يستطيع أن يعيش ومن لا يعمل ينال جزاءه وقدره ... ثم وصلت الأمور إلى استغلال المال ومناطق الفقراء وصولا إلى اعتقال عشرات الملايين من العبيد وبيعهم لدول وأمما أخرى كثيرة ... لدرجة أن جيوش كثيرة كانت تتمرد على قادتها ليس لقلب نظام الحكم كلا بل من أجل أن يصنع الحاكم حربا ويرميهم فيها لأن في الحروب غنائم وأموال كثيرة والجلوس دون حرب تعني العجز ؟

التاريخ يحدثنا أن ابن صياد السمك في الدولة العثمانية "إبراهيم باشا" تحول من ابن صياد فقير إلى رئيس وزراء والذي كان يسمى هذا المنصب بـ "الصدر الأعظم" ... و "رستم باشا" ذوو الأصول الكرواتية من ابن مرتبي خنازير إلى "الصدر الأعظم" في الدولة العثمانية في سنة 1500م ... والجارية "الخيزران" التي بيعت بالأسواق أنجبت أمير المؤمنين وخليفة المسلمين "هارون الرشيد" ... والكثير الكثير وبالآلاف من أبناء الأمراء والخلفاء في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية ولدوا من بطون جواري جُلِبن من الخارج أو كانوا معروضات للبيع في الأسواق ... لكن الأقـــــدار كان لها رأيا أخرا وسببا مختلفا فتحول الوضيع إلى باشا والجارية تحولت إلى سلطانة والمنافق الكذاب وصل إلى وزير واللص ابن اللص ابن الجارية أصبح حاكما وسلطانا ... والتاريخ العربي والإسلامي والتاريخ الأوروبي والمسيحي والتاريخ الأسيوي والأمريكي والروسي كل تواريخ البشرية كلها لا تقول لك إلا حقيقة واحدة وهي : البشرية لم تُحكم بالأديان وبالعدل بل حُكمت بقوة السيف وغرف التحقيق وصنوف التعذيب وقهر الخصوم وشراء الذمم ... وما أكثر دليلا على ما أقول إلا قتل الأنبياء والرسل والإفتراء على الله كذبا وتفريق الأمم والشعوب إلى مِللا وشِيعا وأحزابا ومذاهب كمن صُنع للجهلة لعبة حتى يعيشوا ويموتوا بجهلهم ... وحتى ونحن في 2021 فلا يزال الجهل في العالم يضرب شماله وجنوبه شرقه وغربه على الرغم مما وصل إليه الإنسان من علم وثقافة وتقدم وتكنولوجيا ... ولم يتعظ الإنسان لا من دين ولا من تاريخ ولا من واقع ولا حتى من قبور أهله ولذلك كل ما سيحدث للبشرية كونوا على ثقة بأنه عقاب من ربكم وخالقكم الذي عُذِر في الجهلة والسفهاء والفاسدين منكم ... وكل منا يعيش في أقـــــداره وينتظر أقـــــداره فاللهم اكتب لنا خير الأقـــــدار وأحسنها واختم حياتنا بخير وسلام وأنت راض عنا واشغل الفاسدين والظالمين والمنافقين بأنفسهم ولا تجمعنا بهم ولا تجعلنا منهم يا ودود يا لطيف يا خبير يا حنان ويا منان يا أرحم بنا من أنفسنا سبحانك وتعالى رب كل شيء وأنت أرحم الراحمين .




دمتم بود ...



 وسعوا صدوركم