2021-08-13

تاريـــخ عالـــم المافيـــــا .. 3

 

في هذا الجزء الثالث والأخير من موضوعنا نتحدث من المافيا الروسية إلى المافيا التركية ... تركيا لم يكن لها أي ذراع في عالم المافيا بحكم إسلاميتها وأنها الراعية لشؤون الإسلام والمسلمين لأكثر من 600 سنة والتي كانت تمثل الخلافة الإسلامية وبالتالي كل أعمال المافيا هي محرمة جملة وتفصيلا ... لكن هذا هو الظاهر لكن الواقع يتحدث بشكل مختلف فتركيا قدرها أن تقع في موقع جغرافي استراتيجي موقع جعلها محل أطماع مشروعة وغير مشروعة ... موقع دولة الخلافة العثمانية كانت تسيطر على "البحر الأحمر - الخليج العربي - البحر المتوسط - بحر قزوين - البحر الأسود" + ثلاث قارات "أسيا - أوروبا - أفريقيا" ... مواقع استراتيجية لا تقدر بثمن فكانت المافيا "الإيطالية - الصينية - الروسية" يجب أن يخترقوا الدولة العثمانية ولذلك فعليا تركيا لم تكن تعرف "الجريمة المنظمة" التي تنتهجها المافيات العالمية بشكل علني وفعلي إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية في 1924 ... وما قبل هذا التاريخ كانت مجرد عصابات تهريب تتكسب من هذا الطرف وذاك الطرف بحكم أنها كانت إمبراطورية نعم لكن كانت فقيرة والأمة العثمانية كانت أمة فقيرة من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق ... لكن كانت هناك تجارة نشطة جدا في الدولة العثمانية وهي تجارة السلاح التي اكتشفت وبدأت في سنة 1400 في الأندلس عبر "البندقية ذات الماسورة" ... وكانت تجارة لا مثيل لها وتطورت تطورا مذهلا في عالم المعارك والحروب وكان هناك صراع دولي على الإنتاج ما بين المصنعين والمطورين في "بريطانيا - أمريكا - ألمانيا - النمسا - فرنسا - روسيا" ... فكانت تجارة رائجة وفي نفس الوقت كانت من أدوات ضعف الدولة العثمانية آنذاك التي لم تعرف صناعة "البنادق اليدوية وذات الماسورة" إلا في سنة 1850 أي أنها قد تأخرت كثيرا وكثيرا جدا ... وبالعودة إلى موضوعنا فإن تجارة السلاح كانت هي الرائجة قديما في تركيا في عهد الخلافة العثمانية بالإضافة إلى تجارة المخدرات التي كانت تنتشر مثل النار في الهشيم وتحديدا "تجارة الأفيون" ؟

بعد سقوط الخلافة العثمانية واحتلال عاصمتها من قبل "فرنسا وبريطانيا وروسيا واليونان" كانت تركيا لا تزال بعد لم تدخل "عالم الجريمة المنظمة - المافيا" ... لكن في عهد مؤسس الدولة التركية الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك" الذي كان كارها لأمة العرب وارتمى في حضن أوروبا لدرجة الثمالة هنا بدأت العائلات التركية الضليعة في الإجرام تتعرف وترتبط بالمافيا "الإيطالية والروسية" أي كان موقع تركيا يقع في منتصفهما تماما ... فنشطت تجارة المخدرات في تركيا وروسيا وكانت ترسل شحنات المخدرات إلى إيطاليا ومن إيطاليا إلى أمريكا ... وعلى هذا المنوال نشطت تجارة المخدرات والسلاح والإتجار بالبشر وفي ذلك الوقت كانت الدولة التركية يمزقها الفقر والجوع بسبب انهيار الدولة العثمانية والديون التي تكبدتها بسبب تمزقها وتفككها وبسبب أخطاء الحرب العالمية الثانية ... وهنا يجب الفهم أن الدولة التركية كانت تخسر وتعيش في أزمات سياسية واقتصادية لكن المافيا التركية التي ولدت حديثا كانت تنتعش ماليا وتتوسع اقتصاديا وتصنع ولاءات اجتماعية أخطبوطية واسعة النطاق ... وبسبب الفقر والجوع كانت أموال المافيا التركية تفعل ما تشيب له الولدان فأصبحت تشتري قضاة وضباط شرطة وضباط جيش وصحفيين وسياسيين وأعضاء في البرلمان ووزراء ... أي دخلت المافيا التركية في الشأن السياسي وهو ما أدى إلى حدوث انقلابات عسكرية كثيرة في "1960 - 1971 - 1980 - 1979" لم يجرؤ انقلاب واحد على مواجهة المافيا التركية التي وصلت إلى درجة ثراء بمئات المليارات ... وفي سنة 2004 جرت صفقة سياسية بين عائلات المافيا وبين الحكومات التركية بقيادة "حزب العدالة والتنمية" بوساطة رجال أعمال وطبقوا نفس السيناريو الذي طُبق في "اليابان - روسيا" ... مصالحة وحصانة وحماية بمقابل ضح المليارات في الداخل للإستثمار وصناعة نهضة وتنشيط السياحة التي بالتالي ستجذب رؤوس الأموال الأجنبية للإستثمار في تركيا وهذا ما حدث فعليا ... ناهيك أن المافيا التركية وبالإتفاق والتنسيق والتعاون مع جهاز المخابرات التركي "MİT" قد حققت المافيا ثروات تجاوزت أكثر من 50 مليار دولار خلال الحرب الأهلية في سوريا والعراق خلال 8 سنوات ... وتلك الثروة جاءت من خلال تجارة السلاح وتهريب البشر وتجارة الأعضاء البشرية وعمليات غسيل الأموال وتهريبها وتهريب الذهب وتجارة الآثار ولذلك كانت تركيا هي البوابة الرئيسية لدخول 90% من الإرهابيين إلى سوريا والعراق ... واليوم تتربع المافيا التركية على طاولة أضخم تجارة تربط روسيا وأسيا وأوروبا بالإضافة إلى نمو تجارة السلاح التي أصبحت تركيا اليوم من المصنعين وذات الصناعة العسكرية الموثوقة دوليا ... وأشهر زعماء المافيا التركية هم "سادات بكر الذي فر مؤخرا من تركيا ويقيم في الإمارات - جنكيز شركس - علاء الدين تشاكجي - نادر ساليفوف - حسين أغا - إدريس أوزبير - ديار بكير - علاء الدين جاكجي - أوفرو شريف" وغيرهم ... وكل الأحزاب التركية الحاكمة التي تقلدت سلطة الحكم في تركيا ما بعد سنة 1940 وحى يومنا هذا جميعهم ضالعون ومرتبطون تماما مع المافيا التركية ؟

هل هناك مافيا في الدول العربية ؟

لا نستطيع أن نطلق مصطلح "مافيا" بمفهومه التاريخي على الدول العربية لأن مجتمعاتها تقع بين سيفين الشريعة وأنظمة الحكم" ... فالشريعة تحرم أعمال وأموال المافيا وأنظمة الحكم لا تسمح بأن تصنع دولة داخل دولة ... وبالتالي لا توجد دولة عربية واحد تحتضن العائلات الإجرامية بمفهوم وواقع "الجريمة المنظمة" بل توجد محطات لتهريب المخدرات وعمليات غسيل الأموال وشحنها عبر الموانئ وتهريب الأثار ... كلها تتم عبر بعض أبناء الحكام وبعض المسؤلين وبالتأكيد بعلم وتحت أنظار الأجهزة الأمنية والمخابراتية وكلها بالتأكيد لا ترقى أن نصفها بالمافيا بل بعمليات فساد تجري على نطاق واسع ... مع الإنتباه أن هناك أسر حاكمة في الوطن العربي هي ليست أسر حكم بالمعنى الحقيقي لكنها أقرب إلى عصابات المافيا كحاكم وأسرته وهؤلاء كثر في التاريخ الحديث بل وحتى حاليا لكن مع ذلك لا ينطبق عليهم "الفهم العميق للجريمة المنظمة" ... والمنظمة الإجرامية العالمية أو المافيا العالمية يتواجدون في "إيطاليا وأوروبا والصين واليابان وروسيا وتركيا" ولهم أذرع واتصالات قوية جدا مع "تايوان وإيران وباكستان والهند والمغرب والإمارات ولبنان ومصر" ... عبر أطراف يمكن تسميتهم بـ "وسطاء" يحاولون أن يصنعوا لهم كيانا تقليديا للمافيا العالمية لكن ذلك غير ممكن وفي عقيدة وتركيبة أنظمة الحكم وطبيعتها التاريخية ؟ 

ما علاقة المافيا بالحكومات وأجهزة المخابرات العالمية ؟

علاقة وثيقة جدا جدا فالتعاون ما بين المخابرات الدولية والمافيا كلاهما وجهان لعملة واحدة وكلاهما فاسدين وكلاهما يلعبون ... ليس هذا فحسب بل يمكن أن تثق بالمافيا لكن لا يمكنك الوثوق نهائيا بأي جهاز مخابرات لأن المافيا توظفك لمصالح تجارية وإن كانت غير مشروعة لكنها تحقق لك الربح والكسب الحرام بالتأكيد وتوفر لك أيضا النفوذ الإقتصادي ... لكن أجهزة المخابرات توظفك للخيانة ومتى ما انتهوا منك كشفوا عنك الغطاء لتتمزق بلا أي قيمة بالإضافة إلى أن الإبتزاز لعبة خسيسة يستعملها الجميع ؟

ارتباط المافيا بالعملات الرقمية ؟

بعد أن ضيق الخناق كثيرا جدا على عمليات غسيل الأموال من خلال تحديث وتطوير التشريعات والقوانين دخلت عمليات غسيل الأموال والعمليات الغير مشروعة إلى عالم الإنترنت ... فأصبح بيع المخدرات يتم على نطاق واسع من خلال البيع بمقابل العملات الرقمية "حول لي المبلغ عن طريق بتكوين" يتم التحويل ثم يتم إرسال "Location" موقع المخدرات فيذهب الشاري إلى الموقع فيجد بضاعته دون أن يرى أحدا الأخر إلا من خلال الأسماء المستعارة التي تتم عبر الإنترنت المعلوم أو الإنترنت المظلم "Deep web" ... بل فعليا اليوم تتم عمليات بيع الأسلحة والمخدرات والمؤثرات العقلية عبر الطريقة التي ذكرتها وليس هذا فحسب بل اقتحمت الدعارة عالم العملات الرقمية والتحويلات أونلاين تعمل 24/7 بلا توقف ... وأترك لخيالك العنان حتى تعرف كيف تتم التجارة الغير مشروعة بعيدا كليا عن أعين رجال الأمن وخارج إطار القانون ؟

كم تبلغ عمليات وأرباح المافيا العالمية ؟

وكالة رويترز ووكالة بلومبيرغ تحدثوا في 2020 عن فضيحة للبنوك العالمية بعمليات غسيل أموال تجاوزت 2 تريليون دولار أمريكي تمت خلال 20 سنة فقط ... = 2.000 مليار دولار = 601 مليار دينار كويتي أي ميزانية دولة الكويت كاملة لمدة 24 سنة ... لكن الحقيقة هي أن قيمة الأموال الغير مشروعة المخزنة تتجاوز أكثر من 3 تريليون دولار سنويا يتم توزيعها من خلال "شراء العقارات - استثمار الفنادق والمنتجعات - الأسهم والبورصات العالمية وتأسيس شركات وهمية - العملات الرقمية - تجارة البيع بالتجزئة - تجارة السيارات - شراء الماركات باهظة الثمن مثل السيارات والساعات - تجارة الحيوانات" وغيرها ... أما مصادر تلك الأموال فهي ناتجة عن عمليات "سرقة وفساد حكام ومسؤلين في دول العالم - تجارة الأعضاء البشرية - تجارة الأثار - الإتجار بالبشر - الدعارة - المخدرات والمؤثرات العقلية" وغيرها ؟

ثروة جاءت من الحرام تعطينا دليل لا يقبل الشك أن بلاء البشرية هم البشرية أنفسهم وجشع الإنسان للإنسان وقتل الإنسان لأخيه الإنسان وسرقة الإنسان لأخيه الإنسان ... ثروة سنوية 2 أو 3 تريليون دولار كافيا بأن يسدد ديون 180 دولة حول العالم أي 95% من دول العالم ... مبلغ خرافي كافيا بأن يحول الأرض إلى جنة وجنات ونعيم الدنيا "الوقتية" من إبداعات الصناعة والتطور والنهضة والعمران ... ثروة مجنونة كافية بأن تسحق الفقر والجوع وتنقذ أكثر من 450 مليون نسمة تحت خط الفقر وتخلق فرص عمل جديدة لأكثر من 500 مليون نسمة ... ثروات مرعبة سرقها الإنسان من أخيه الإنسان وصنع الإنسان أسلحة وحروبا لتقتل أخيه الإنسان وتخشّب ضمير الإنسان وهو يرى دموع الفقراء والمحرومين والإجرام هو أن يَرُقّ قلبك على الحيوان ولا تلتفت للإنسان ... وصدق الراحل "غسان كنفاني" القائل : يسرِقون رغيفك ثم يعطونك منه كِسرة .. ثم يأمرونك أن تشكُرُهم على كرمهم .. يا لا وقاحتهم !!! 




مراجع 

https://www.reuters.com/article/global-banking-fincen-stocks-idUSKCN26C086


https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-09-20/banks-moved-2-trillion-defying-money-laundering-orders-icij



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم