السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء الموقر
رئيس محكمة التمييز المستشار / أحمد مساعد العجيل المحترم
لكم مني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو أن يتسع صدركم الكريم وأفقكم القانوني وتفضل بقراءة رأي ربما حُجب عنك وعن السادة القضاة بمختلف درجاتهم الوقورة ربما لأن الرأي كونه أصوات ممنوعة من الحديث لأنها أصواتها حجبها الحياء والبحث عن الستر وعدم رغبتها بفضح أوضاعها ... لقد اطلعت على حديثكم وتصريحكم الصادر بتاريخ 5-8-2021 على صدر صحيفة الجريدة الكويتية فيما يخص رأيكم بموضوع "إلغاء الضبط والإحضار" من القانون رقم 71 لسنة 2020 ... وقد أيدت سيادتكم حق رفع الضبط والإحضار عن التجار ورفضته عن المدينيين وركزت على قضايا الأسرة ؟
سعادة المستشار رأيكم توافق مع رفع الضبط والإحضار عن التجار ربما لأنهم من العوامل الإقتصادية في أي دولة ... مع العلم أن الإقتصاديين هم أنفسهم سبب بلاء الإقتصاد العالمي والذي بسببهم دخل العالم في أزمات عالمية ضربت كل العالم جرت خلفها خسائر بآلاف المليارات من الدولارات ... وما الأزمات المالية والإقتصادية الدولية التي وقعت في 1929 - 1973 - 1997 - 2007 إلا مثال واقعي ... أضف إليها أزمة مصر التي وقعت في الثمانينات من القرن الماضي والتي سميت بـ "لصوص بنوك مصر" الذين تلاعبوا على البنوك وأخذوا قروض بالمليارات وهربوا إلى أوروبا + أزمة الريان لتوظيف الأموال وشركات السعد وغيرها ... وقصص حقيقية وواقعية جرت على يد تجار نصابين محتالين جرت في "مصر والإمارات والسعودية والكويت والهند وأوروبا وأمريكا" وغيرها ... وحتى يومنا هذا هؤلاء اللصوص لم يُقبض عليهم ويعيشون في أوروبا بعدما رفضت دولا أوروبية تسليم المطلوبين لدى دولهم ... وبالتأكيد مع عدم التعميم بأن هناك اقتصاديين وتجار شرفاء لكن الواقع له رأيا مختلفا تماما لأن التجارة مرتبطة كليا مع السياسة وتلك هي العلاقة بظروفها منذ قديم الأزل ... ولذلك قانون الإفلاس رأيك الموقر فيه بأنه يجب أن يتم تطبيقه على التجار فقط هو رأيا ووجهة نظر وطالما أنك إنسان يا سعادة المستشار فالخطأ وارد والصواب أيضا وارد وتلك هي طبيعتنا جميعا كبشر نصيب ونخطئ ؟
سيادتكم ركزتم على قضايا الأسرة وطالبت بأن قانون الإفلاس يجب أن لا يشمل تلك الفئة ... وهنا اسمح لي يا سعادة المستشار الموقر حضرتكم وقعت في خطأ أنا أربأ بك من أن تكون في موضعه ... فمن الأجدر أولا أن يتم إلغاء "تقدير القضاة" نهائيا في قانون الأحوال الشخصية وقانون الأسرة وتحديدا في مسائل "تحديد النفقة" لأنها أصلا يجب أن تكون بقانون وتحدد بقانون وليس وفق التقديرات ... أي بمعنى يتم تحديد النفقة بشكل عام على حسب دخل "المدعى عليه" وفق القانون بتحديد نسب مئوية من دخله الإجمالي أي القانون هو من يحدد هل 3% أو 5% أو 10% أو حتى 20% من دخل المدعى عليه ... لا أن يتم الأمر وفق "تقدير القاضي" الذي ربما يقع في شبة "الخصم" في الأمر والذي يجب أن لا يكون إلا "طرف محايد" وفق طبيعة القضاة الذين هم يعتبرون صفوة الصفوة في أي مجتمع وتلك ثغرة قانونية كان من الأجدر أن يتم تشريعها وجعلها قانونا أساسيا منذ عقود لا أن يُترك الأمر وكل أمر وفقا لـ "تقدير القاضي" ... وطالما أن المدعى عليه يعمل فيتم الخصم مباشرة من راتبه والمتقاعد من التأمينات الإجتماعية وكلها معمول بها فلم الضبط والإحضار من الأساس ؟ ... ومن لا يعمل فيعتر عاجزا والإصرار على تطبيق الضبط والإحضار بحق من لا يعمل يعتبر باطلا ويدخل في دائرة الإكراه وأموال الناس لا تؤخذ بالإكراه والعاجز لا يُكره ... أضف إلى ذلك لأذكّر سيادتكم وأنت الضليع ومن جهابذة القانون الكويتي أن القانون الدولي بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم "2200 ألف - د 21" المؤرخ في 16 ديسمبر1966 بتاريخ بدء النفاذ في 23 مارس 1976 وفقا لأحكام المادة 49 قد يخالفكم جملة وتفصيلا ... فالمادة 11 من القانون الدولي لسنة 1966 – 1967 والتي وقعت عليه الكويت تنص على : لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي ... كذلك انتهاك للمادة رقم 6 من الفصل الثالث من البند الأول : الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمى هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ... كذلك المادة 5 من الفصل الثاني البند الثاني : لا يُقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف أو النافذة في أي بلد تطبيقا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف بذريعة كون هذا العهد لا يَعترف بها أو كون اعترافه بها في أضيق مدى ... وفرط إدارة التنفيذ بالإجراءات مثل "الضبط والإحضار - منع السفر - الحجز على الممتلكات - حجز مركبات - حجز بنوك" كلها إجراءات تتعارض كليا مع أساسيات حقوق الإنسان التي نص عليها في القوانين المحلية والدستور والقانون الدولي ... وقد أفصحت سيادتكم عن رأيا قانونيا ترون فيه المصلحة العامة لكن لصالح طرف دون النظر للطرف الأخر ... ولن أحجب عن سيادتكم الواقع وأتسائل : أليس من حق الرجل المطلق أن يعيد تكوين نفسه ماديا ويتزوج مرة أخرى ؟ فإن حاصرتموه من كل جهة فتقدير القضاة الموقرين قد يكون قد نجح بانتصار لطرف لكنه أيضا نجح بتدمير طرفا أخر نفسيا وماديا بشكل قاتل نفسيا ... من أين يصرف ومن أين يأكل ويشرب ويلبس ومن أين ينفق على نفسه ويحافظ على ستره أمام أهله وأصدقائه وكيف نغلق أبواب المفاسد والشبهات حتى يتزوج ويستقر مرة أخرى ؟ لم يفكر أحدا في الأمر !!! ... وتلك النقطة يا معالي المستشار تدخلنا في واقع لا أحد يريد أن يلتفت إليه وهو واقع "الضرر النفسي الجسيم" وهناك فعليا وواقعيا وقعت أضرار نفسية بالغة الخطورة حتى وصلت إلى درجة "فوبيا المحاكم والقضاء" وهذا ضرر يا حضرة الإنسان لا يتم حله ولا علاجه ولا حتى بعد سنوات واسأل أطباء علم النفس عن صحة حديثي هذا ... ناهيكم أن قوانين الأسرة قد شجعت المرأة على الطلاق بشكل كارثي نتج عنه ارتفاع حالات الطلاق وارتفاع كبير لنسب العنوسة في البلاد وتفكك أسري فاضح والإحصائيات الرسمية تؤكد حديثي ... ولا أكثر ظلما من نزع الولاية عن الأب ومنحها للأم في مخالفة صريحة لا تقبل الشك ولا اللبس لأصول ونصوص الشريعة الإسلامية ... وهذا بالتأكيد راجع إلى قصورا في التشريعات والقوانين وقصورا في النظرة الثاقبة للأمور بشكل عام لا بشكل محدود والجمود والتخشب في إصلاحها ومعالجتها ... فعندما يقترض المدعى عليه من الأخرين "أخ - أخت - صديق" للسداد للتنفيذ فأنتم هنا أدخلتموه مرة أخرى في ديون أخرى حتى يسدد النفقة التي أصلا كان يجب أن يتم خصمها من راتبه من خدماته من عمله ... في وقت الكل أصبح يصرخ من غلاء المعيشة من ارتفاع أسعار السكن والإيجارات والمواد الغذائية ومتطلبات الحياة الطبيعية لأي إنسان ؟
يا سعادة المستشار إن في هذه المدونة مواضيع دافعت فيها عن القضاء وإجراءاته في مواضع وظروف عديدة كنت ولا أزال مقتنعا فيها وأيضا انتقدت القضاء في مواضيع موضوعية عديدة ... ليس هذا فحسب فكوني عارفا ومطلعا فإني أعلنها لك ولغيرك جهارا نهارا علنا وليس سرا : إني أفاخر بالقضاء الكويتي فهو لا مثيل له على مستوى جميع الدول العربية قاطبة وأفاخر بأني مواطن كويتي أنتمي إلى الدولة العربية الوحيدة في كل العالم العربي والإسلامي الذي توجد فيه محكمة دستورية عليا تنظر في شكوى أو مظلمة أي مواطن ويمكن لهذا المواطن ولتلك المحكمة أن تبطل تشريعات وقوانين ومراسيم أميرية وتجعلها كأنها لم تكن ... لكن نطمح بالمزيد ونريد المزيد لأننا في دولة وكيان يستحق المزيد من الشفافية ليس هذا فحسب بل مقارعة القضاء الدولي لأننا نتمتع في ظل قضاء بدأ في 1705 وحتى يومنا هذا أي عراقة قضائية مستمرة لأكثر من 315 سنة ... وثق في حديثي يا سيدي الفاضل أن رفع الضبط والإحضار فيه مكاسب كثيرة لسمعة الكويت محليا وخارجيا وفيه تأديب كبير للناس نعم تأديب ... فلا يجب أن تعطي أموالك لشخص وأنت تعلم بأنه غارق ماديا ثم يذهب هذا ويتباكى على أمواله لدى القضاء ... وعلى انتقام المطلقات من رجالهن أن يتوقف وينتهي للأبد حتى تنخفض نسبة الطلاق الذي أصبح وكأنها تجارة ... وعلى الجميع من اليوم فصاعدا أن لا يمنحوا أموالهم إلا لمن يستحق في وقت وزمن المعلومة تسجد تحت أقدامنا جميعا ... وقانون الإفلاس الجديد سيغلق الباب على عصابات السوق السوداء الذين يقرضون بفوائد ربوية بمقابل "إقرار دين مذيل بالصيغة التنفيذية - كمبيالة - وصل أمانة" وها هي سعادتكم إعلانات "تكييش القروض" تملأ مواقع التواصل الإجتماعي ... تخيل في 2021 في زمن التطور والتقدم لا يزال في الكويت قانون للكمبيالة بدفاتر تُباع بدينارين لكنها تسجن 3 سنوات !!! ووصل أمانة وكأن الدولة لا توجد فيها بنوك فلجأ هذا لوضع ماله لدى الأخرين في عملية يرفضها العقل والمنطق والواقع مما يؤكد على أن هناك قصور قانوني وتشريعي وعدم تطور لقوانين التعاملات المالية وضماناتها ... والمقيم يجب أن لا يُسجن بسبب دين حتى يعمل ويسدد ما عليه فإن وقع عليه ضبط وإحضار فمن أين ياتيكم بالسداد وهل سجنه هو الحل ؟ ... الضبط والإحضار وسجن المدين فيه من الأخطاء القانونية والتشريعية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان نتج عنه أزمات نفسية واجتماعية كارثية لا يجب أن نغفلها ... الضبط والإحضار بحق المدينين مُزّق المجتمع الكويتي مثلما مزّقه قانون الشيكات القديم الذي مزق المجتمع الكويتي وخلف ضحايا بمئات الآلاف ... ويجب أن يتم تفعيل اللجان الخيرية التي تنفق مئات الملايين في الخارج لتتحول إلى الداخل لسداد العاجزين عن السداد ممن ليس لديهم عملا أو دخلا ... وما سبق يا معالي المستشار كان صوتا ربما لم تعهدوه وربما أنستكم مشاغلكم الكثيرة المسؤلة عنه وأنا هنا ألفت سيادتكم إليها لأن للحقيقة وجها أخر والقضاء الكويتي يجب أن يتقدم ويتطور ويعزز الشفافية أكثر وأكثر لا أن يتراجع ولا مقلدا لأنظمة قضائية أخرى بل يجب أن يتفرّد وحَقّ له التّفرد لأنه صاحب التاريخ العريق ... والقضاء مهمته حماية القوانين وفرض احترامها على الجميع وقانون الإفلاس الجديد يجب أن يُحترم ويطبق كاملا ... لأن هناك في الخارج منظمات حقوق الإنسان الدولية والحقوقية والأمم المتحدة والحكومات الأوروبية والأمريكية تُراقب هذا القانون عن كثب وتُرصد ردود الأفعال ودرجة وجودة ومستوى تطبيق هذا القانون لدينا في الكويت ... وتذكر حديثي عندما ترى في العام القادم 2022 إيجابيات وجودة وتحسن تقارير حقوق الإنسان الدولية والعالمية في الكويت بسبب تعاطي حكومة ومجلسا وقضاء بشكل إيجابي مع القانون ... وأي تراجع عن القانون الجديد مستقبلا سيكون كارثيا على سمعة الكويت داخليا وخارجيا وضررا بالغا سيصيب ثقة المجتمع في القضاء الكويتي نفسه ... والمصلحة العامة تغلب على المصلحة الخاصة وارصد بعد سنة معاليكم كم ستنخفض نسبة القضايا المالية لأن عامل الضبط والإحضار قد انتهى ... وبالتالي الكل سيخاف ويحذر على ماله وهذا هو المطلوب من الأساس وليس استغلال الإنسان للإنسان بدافع الجشع والطمع المادي باسم القانون ... وقد أرسى القضاء المصري في ثمانينات القرن الماضي قاعدة قانونية أو عرفا قانونيا مفاده "القانون لا يحمي المغفلين" لكن الحقيقة أن القانون ما وُجِد ولا وُضِع إلا ليحمي الغافلين والمغفلين والجاهلين في القانون لأن ليس كل الرعية فطاحلة في القانون ... وإلا لتعود البشرية بقضائها وقضاتها إلى "قانون وشريعة حمورابي" المكونة من 282 مادة التي صيغت في سنة 1756 قبل الميلاد ليرتعب كل ظالم من ظلمة ويستقر الأمان في صدر كل غافل ؟
وفي الختام أشكرك سعادتكم على سعة صدركم وحسن قرائتكم وتفضلكم علي بوقتكم الكريم عل وعسى أكون سببا في لفت عنايتكم لأمور ما كانت على بالكم ... وكفى بالله وكيلا وشهيدا .
دمتم بود ...