قبل أن نبدأ بموضوعنا هذا يجب أن نسجل مبدأ : أن غزو دولة لدولة أخرى هو أمر مرفوض كليا مهما كانت الأسباب والمبررات ... وروسيا ارتكبت حماقة الغزو وغزت أوكرانيا في عملية ظاهرها القوة الروسية لكن باطنها لها حقيقة أخرى غائبة عن الجميع باستثناء العسكريين بالتأكيد ... فعندما أراد العراق غزو الكويت في 1990 حشد ضدها أكثر من 100 ألف عسكري وخلال أول أسبوع من الغزو العراقي زج بأكثر من 300 ألف عسكري وهذه الكويت التي هي أصغر من أوكرانيا بثلاث مرات ... أما أوكرانيا فقد تم حشد عسكري ضدها وغزوها بـ 200 ألف جندي وتم استخدام 150 ألف حتى اليوم ... والمغزى من هذه الحسابات أن أوكرانيا التي هي أكبر من الكويت بثلاث مرات كانت تحتاج من 500 ألف جندي إلى مليون جندي حتى تستطيع روسيا أن تغطي كامل مساحة أوكرانيا وتحبط إنشاء أي جيوب مقاومة مسلحة ... مما يعني أن حركات المقاومة الأوكرانية مع جيشها النظامي + الدعم العسكري الأوروبي المتطور سيكونان كافيان جدا على أن نسمع صراخ روسيا بعد أقل من 3 أشهر وهي تُمنى بخسائر عسكرية وبشرية فادحة ؟
على الجانب الأخر فإن العقوبات الإقتصادية التي فرضت على روسيا وهي عقوبات لا تستند إلى قرارات دولية أو أممية بل هي عقوبات دولية فرضتها دول على دول خارج الإطار القانوني ... تلك العقوبات كافية جدا أن تدمر الإقتصاد الروسي تدميرا موجعا لدرجة لن تستطيع روسيا النهوض الإقتصادي مرة أخرى إلا بعد 20 سنة قادمة ... حتى أن شركات البطاقات الإئتمانية العالمية مثل "فيزا - ماستر كارد - أمريكان إكسبريس - داينرز كلوب" قد أوقفوا التعامل مع روسيا وجعلوها خارج الإئتمان العالمي ... أضف إلى ذلك هيئات التصنيف الإئتماني العالمية مثل "موديز - ستاندرد آند بورز - فيتش" بتخفيضهم للتصنيف الإئتماني الدولي لروسيا فإنهم بذلك أصابوها بمقتل اقتصادي حقيقي ... ناهيك عن منع وحضر الخطوط الجوية للشركات الروسية من عبور الأجواء لأكثر من 35 دولة تعتبر ضربة قاتلة للشركات الروسية مما يضطرها للإلتفافات الجوية الطويلة والتي ستستهلك وقود أكثر وستحتاج إلى محطات توقف عديدة أي خسائر مؤكدة تفوق الـ 300% ... وكان الأبرز هو حضر التحويلات البنكية للشركات والأفراد إلى روسيا وخروج روسيا بأكثر من 80% من نظام "سويفت العالمي" الذي يربط أكثر من 11 ألف بنك في 200 دولة حول العالم والمسؤل الرئيسي عن تحويلات حكومات العالم وشركاتها المساهمة فيها ... ثم هستيريا العقوبات وصلت إلى منع دخول أعضاء البرلمان الروسي من دخول أكثر من 30 دولة ووضع اليد على أملاك أثرياء روسيا من قصور ويخوت وممتلكات وأرصدة بنكية والذين أصلا لا دخل لهم في المسألة لا من قريب ولا من بعيد ... وصولا إلى خسائر فادحة للبورصة الروسية والمستثمرين الروس حول العالم بخسائر في أول أسبوع من الغزو الروسي تجاوزت أكثر من 40 مليار دولار ... وبالتالي من سابع المستحيلات أن يصمد الإقتصاد الروسي أمام تسونامي هستيريا العقوبات الأمريكية والأوروبية واليابانية والأسترالية والكندية مهما كانت احتياطات روسيا من تبعات غزوها لأوكرانيا ؟
نظريا من الناحية السياسية فقد نجح الغرب باستدراج روسيا للفخ الأوكراني بعملية سياسية نوعية حقا ... والخطأ الذي وقعت فيه روسيا هو غزوها العسكري وكان هذا غباء سياسيا لا يمكن غفرانه ... وكان من الأجدر أن تتحرك روسيا وتلعب في ملفات حلفائها في "إيران التي تجر خلفها اليمن - سوريا التي تجر خلفها لبنان - ليبيا التي تجر خلفها الجزائر - كوبا - فنزويلا" ... تلك الربكة لو أحسنت روسيا استغلالها لأربكت أمريكا بنسبة 90% لسبب بسيط وهو أن أمريكا لا تستطيع أن تتحرك سياسيا وعسكريا مجتمعين في جبهة جنوب أمريكا وجبهة الشرق الأوسط وجبهة الكاريبي في خليج المكسيك هذا لو أضفنا فوقهم الجبهة الرابعة في أوروبا والجبهة الخامسة في بحر الصين في ملف تايوان ... كل تلك الملفات أو الكروت السياسية كانت بيد روسيا وحليفتها الصين لو تم استغلال تلك الملفات لتاهت أمريكا وأوروبا في متاهات لا أحد يعرف لها نهاية ... بل كان بإمكان روسيا أن تجعل حليفتها "بيلاروسيا" هي من تشتبك مع أوكرانيا وليس هي التي تتلقى الضربات والصفعات ... لكن وحيث أن روسيا قد غزت أوكرانيا فإنها اليوم منفردة تواجه تحالف دولي كان ينتظر تلك اللحظة منذ أكثر من 8 سنوات ... بل وحتى لو عادت روسيا وانسحبت من أوكرانيا فلن ترفع العقوبات الإقتصادية إلا بعد سحقها اقتصاديا وإذلالها سياسيا لأقصى درجة ممكنة ... وعلى الجانب الأخر العملاق الصيني يراقب ويرصد كل التحركات السياسية والعسكرية والإقتصادية عن كثب ويسقطها على نفسه بخيال السياسي ليعرف حجم الأضرار التي قد تلحق به لو قام بغزو تايوان ؟
الحرب النووية
لا شك أن روسيا تعرف أكثر من جيد أنها حتى لو انسحبت من أوكرانيا فإن الغرب سيمزق اقتصادها ... فهي أي روسيا في ورطة سياسية حقيقية ونسبة انعكاسها على الداخل الروسي كبير لدرجة لا نبالغ إن قلنا قد تصل إلى 90% ... وسبب الإنعكاس الداخلي هو ارتفاع أعداد القتلى الروس والذي وصل خلال أسبوع واحد لأكثر من 7.000 قتيل أي هناك 7.000 أسرة روسية فقدت ابنا أو أبا لها وفي مدة قصيرة جدا جدا بضعة أيام فقط ... ومع إنشاء حركات المقاومة الأوكرانية واستدعاء المرتزقة من الخارج + الجيش الأوكراني + حجم الدعم العسكري والتسليح المتطور الأوروبي لأوكرانيا ... فإننا سنشهد لأول مرة في تاريخ النزاعات العسكرية المسلحة تحالفا بين جيش نظامي وبين ميليشيات موالية له في أوكرانيا ... مما يأخذنا التحليل إلى أن هزيمة روسيا العسكرية مؤكدة ليس 100% بل مليار % ... وكل ما هو مطلوب سنة واحدة كأبعد تقدير حتى تجد روسيا نفسها أن اقتصادها قد سحقوه والبطالة منتشرة في كبرى المدن الروسية والجنائز الروسية باتت من الطبيعة اليومية وتحقيق الأوكرانيين مكاسب عسكرية وميدانية على الأرض وتراجع روسي دراماتيكي على مساحة الأرض الأوكرانية ... بالإضافة إلى واقع شعور الدبلوماسية الروسية بأنها منبوذة عالميا بخسائر سياسية جراء حرب طرد السفراء والدبلوماسيين والتي ستبدأ عما قريب ... كل تلك المعطيات قد تدفع الرئيس الروسي "فلادمير بوتين" للتفكير باستخدام السلاح النووي كأخر كرت لديه أمام هزائم "بوتين" السياسية والعسكرية والإقتصادية ... وهنا تنهار الأسئلة أمامنا : هل الصين ستسمح بالحرب النووية وتخسر كل اقتصادها وكل ملفاتها الدولية ؟ هل أوروبا فعلا تريد خنق روسيا إلى درجة تدفع الرئيس الروسي لجنون استخدام القوة النووية بمقياس ضرر دولة واحدة أي روسيا أمام ضرر أكثر من 20 دولة أوروبية ؟ هل أمريكا غير مستوعبة أن 80% من شعبها سيكون في حكم القتلى بسبب الحرب النووية وفوق هذا تخسر كامل نفوذها وسيطرتها العالمية ؟ هل أصحاب الهيمنة الإقتصادية العالمية سيسمحون بانهيار الإقتصاد العالمي ونفوذهم الماسوني الذي بنوه طيلة 250 سنة ؟ هل أصحاب النفوذ ودهاة أسرار الأبواب الخلفية سيسمحون لـ "بوتين" باستخدام السلاح النووي أم سيغتالونه قبل "الدقيقة الصفر" ؟ ... عقلا ومنطقا وسياسيا : كلا لن يسمحوا ... ولذلك على الجميع أن ينتبه بشدة أن في تلك الظروف تجري مخططات ترقي إلى أفلام الفانتازيا بعظمة تحركاتها بوجود أفراد مهمتهم قتل أو اغتيال كل من يهدد الجنس البشري بالأسلحة النووية ... لكن طالما نحن غير مطلعين عن حقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة فلا يمكننا أن نرهن مصائرنا بتكهنات وفرضيات وبديهيات وعلينا أن نعمل بالأسباب ؟
العرب والحرب النووية ؟
الحرب النووية سواء انطلقت أو لم تنطلق أو حتى لن تنطلق على الجميع الإستعداد لها وبشكل دراماتيكي يسابق الوقت ... وسباقك مع الوقت يحقق لك أدنى درجات الخسائر المادية والبشرية والتي لو الأن واليوم تهاونت فيها فلن تتخلص حتى الموت من عقدة الذنب كحاكم كمسؤل كحكومة ... والحرب النووية إن بدأت فهي ستبدأ بنسبة 90% ما بين "أمريكا - روسيا - أوروبا" حصريا ... وحتى الصين ستحاول ضبط النفس بأقصى درجاتها من باب قارة تموت قارتين تسحقان لكن ليس كل العالم ... والصاروخ النووي يدمر منطقة كاملة لكن لا يدمر دولة بأسرها وهنا تأتي فرضية هل تبدأ حرب نووية محدودة أم تكون واسعة النطاق ؟ ... أي هل يتم ضرب بعض المناطق في العاصمة الروسية موسكو فتسحق تلك المناطق لكن الحياة باقية في باقي المناطق في العاصمة الروسية والعكس صحيح ومشابه تماما في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها ... أم يشتعل الجنون فتتقاذف القارات بمئات الصواريخ النووية ويموت خلال أسبوع واحد أكثر من مليار نسمة !!! ... أما بالنسبة للشرق الأوسط فلا توجد أسلحة نووية إلا لدى الكيان الصهيوني إسرائيل والتي تعرف أكثر من جيد أن استخدامها للأسلحة النووية يعني فنائها عن بكرة أبيها ... لكن كمنطقة "دول الخليج - إيران - العراق" فهي منطقة آمنة لأنها خالية من الأسلحة النووية وحتى بوجود القواعد الأجنبية فيها فهي أيضا خالية من أي سلاح نووي ... وهنا يأتي العقل بين دولنا هل يتكاتف الجميع أمام الجنون العالمي ويتوحدون حماية للدين الإسلامي وللإنسان المسلم أم سيدخلون في جنون الفوضى ؟ ... هنا أنا أرجح العقل والحكمة وأدفعها للأمام من باب أن الجميع سيرى بأم عينيه ماذا سيفعل الجنون بالأخرين ليتعقل من بيدهم القرار في منطقتنا ... ناهيكم أن هناك تسونامي عاصف من كُتل بشرية بالملايين هاربا من روسيا وأوروبا باتجاه "إيران والهند وأفغانستان وسوريا ومصر والمغرب وتونس والجزائر" ... وتسونامي بشري أمريكي هربا من أمريكا باتجاه "المكسيك - دول أمريكا الجنوبية - دول البحر الكاريبي" ... وتبقى قناعتي ثابتة وهي : يجب قتل أي رئيس دولة يهدد البشرية بالأسلحة النووية أيا كان هذا الرئيس وأيا كانت دولته ... وعلى الجميع أن يستعد منذ هذه اللحظة بوضع الخطط للحرب العالمية الثالثة لأنها باتت على الأبواب وليس لها عد تنازلي ... استعدادات للماء والغذاء والدواء والكهرباء والطوارئ وحفظ الأمن والتراجع والإنسحاب كاملا عن أي صراعات ونزاعات إقليمية ... لأن هذا الوقت تحديدا وقت ترك الخلافات جانيا والإلتفات لمصالح الدولة القومية ومستقبلها وتوقع الغير متوقع والحفاظ على حكم الدولة والحكام قبل أن تفلت الأمور وقتها ينفلت الغوغاء واللصوص وتجار الحروب فيمزقون دولكم وشعوبكم بلا رحمة ولا أدنى شفقة ... نسأل الله السلامة والنجاة من شرور قادم الأيام ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم