2024-02-02

تناقضات عقل الإنســـان وصراع غرائزه 2

 

الإنجليزي "ويلفريد تروتر" مؤلف كتاب "غرائز الحشود في الحرب والسلم" وهي مشابهة لسيكولوجية "الهلع الإجتماعي" التي كتبت عنها "مدونة الكويت ثم الكويت" في موضع مفصل سابقا ... والذي يعتبر "الإنجليزي" أول من كتب وحلل وشرح مصطلح "غريزة القطيع" في 1908 وهو "سلوك الفرد الذي يتحرك مع مجموعة دون قائد دون توجيه مركزي متطابقة مع سلوك الحيوانات في أسراب الطيور وموجات الأسماك" ... تلك النظرية والحالة تتطابق ليس مع حالة المظاهرات والثورات الشعبية فحسب بل حتى مع انعدام قرار الفرد أثناء عملية التصويت في أي انتخابات فيدلي بصوته وفق الحالة العامة للبلاد أو وفق التوجيه من قبل الأخرين وهذه الحالة تعتبر حالة "مسلوب الإرادة" ... أي غير مقتنع لم يفكر وفشل بالتفكير فسلم قراره للأخرين يوجهونه كيفما يشاؤون ... رفض التفكير رفض أخذ القرار ورفض حتى عدم التصويت وهؤلاء هم أخطر ما يهدد أي عملية ديمقراطية على الإطلاق حتى أنه قد يذهب إلى منح صوته وفق القبيلة أو الدين أو المذهب أو الحقد والكره أو الحب الأعمى ... وسلوك الأفراد في الحروب يختلف عن سلوكهم في السلم يختلف عن سلوكهم في الأزمات ... وهذا السلوك مرتبط 100% بالغريزة البشرية التي من النادر أن تجد من يتحكم بها بشكل دقيق جدا في الدهاء السياسي الذي تفتقده الأمم والشعوب لقيادتها الحقيقية ... بمعنى أن هناك قوة بشرية وطاقة جبارة يتم بعثرتها وتشتيتها دون أن يتم الإستفادة منها بالمطلق والتي يمكن أن تحول الهزيمة إلى نصر والهروب إلى مواجهة والتفرق إلى الوحدة والكسل إلى عمل والثرثرة إلى صمت وإنجاز ... ومثال على السلوك البشري في تناقضاته ففي الحروب تتمثل وتتسيّد "غريزة البقاء" للنجاة بالنفس والعرض فيشتت الطرف الأقوى تلك الحشود بمئات الآلاف والملايين بتدمير منازلهم وذكرياتهم وتهجيرهم وإرهابهم وإرعابهم دون أن يستغلها ويوظفها لصالحه في عملية استغلال "غريزة البقاء وغريزة الأمان" ... وفي الأمراض والوباء يخرس العنصريين وهم يشاهدون من كانوا بالأمس يسخرون منهم لدونيتهم وطبقتهم الإجتماعية دون أن يوظفوها لخدمتهم مستقبلا بمنحهم مساحة من بعض المكاسب التي توفر لهم مستقبل أمان البقاء لعقود طويلة ... بمعنى تسخر منه في وقت السلم أما وقت الأزمات فأنت بحاجة ماسة له لدرجة الإستجداء بسبب الوظائف أو المهن أو القدرات التي أنت لا تملكها ؟

"السواد الأعظم" من حكام الدول اليوم هم مجموعة فشلة فاسدين وشراذم لصوص ومتآمرين وسوادهم الأعظم وصولوا للحكم إما بالصدفة والحظ أو الحيلة ومسلسل طويل من المؤامرات أو أقدار السماء تدخلت بمقتل هذا ووفاة ذاك هذا يصل هذا للحكم والخيانة قاعدة رئيسية ثابتة في مسلكهم لم ولن تتغير ... وهذه الحقيقة بالمناسبة التي لم تتغير عبر آلاف السنين بين كل الأمم والشعوب في كل الحضارات وحتى يومنا هذا ... وقول الله سبحانه وتعالى في فرعون في سورة يونس { فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية } أي عبرة لمن يأتي من بعدك من الحكام والسلاطين حصريا وبصيرة للشعوب ... ولذلك هناك استراتيجية "الإستبداد الإيجابي أو الطغيان الخيري" فشل في تلك الإستراتيجية كل حكام الوطن العربي على مر التاريخ سواء في جاهلية العرب وحتى ما بعد الإسلام وصولا إلى يومنا هذا ... الأمر الذي يسقط بشكل تلقائي المقارنة بين الشعوب العربية وبين الشعب الكويتي "بشكل عام" ... فالشعوب العربية تتمنى أن تكون مكان الشعب الكويتي من فرط الخيرات والنعم أو مساحة الحريات الفكرية والسياسية وعلى النقيض الشعب الكويتي كمن يدفع بيده وبكل ما أوتي من قوة حتى يأتيه المستبد الطاغي ليجلده ويذيقه مر عذاب الدنيا ... بدليل في الكويت حقك البديهي أن تنتقد أي مسؤل في الدولة ولو كان رئيس الحكومة جهارا نهارا وأنت أمن مطمئن بعكس الأخرين الذين يعيشون تحت القبضة الأمنية المتوحشة وفي ظل قضاء فاسد مُسيّس ... وهنا تتجلى "سيكولوجية الفرد والجماعات" بمعنى ماذا تريد ؟ وإلى أين تريد أن تصل ؟ ولماذا لا تكتفي ؟ ولماذا لا تنظر لحال وأوضاع الأخرين من هم أسوأ وأفضل منك ؟ فإن كانوا أسوأ فاتعظ وإن كانوا أفضل فاعمل حتى تصل لمستواهم ولا تصنع تخلف وسفاهة تعيدك للوراء ... الأمر الذي يأخذنا أن الفرد قد يفهم أسباب تذمره ونقمته على بيئته دولته حاكمه إن كان في بيئة ودولة متوحشة أو فقيرة أو فاسدة أو غيرها لكن ما لا يُفهم أنه لا يكتفي بالموجود ولا المتوفر إن كان في بيئة مترفة منعمة إلا كون هذا الفرد أحمق وضيع ينتمي لسلالة العبيد وتتملكه جيناتهم ... وما بين هذا وذاك كلاهما يكونان عرضة لسلب الإرادة وخطف القرار الذاتي منهما بشكل متناهي السهولة ... فالناقم تدفعه الرغبة الجارفة لتحسين وضعه والمُنعّم يدفعه الطمع بالمزيد من الترف وهنا يأتي دور الصيادين من دهاة السياسة والفكر في إدارة الفرد والجماعات والمجتمعات بالسيطرة عليهم وقيادتهم حيث تشاء أنت مع شعورهم بأنهم يسيرون وفق إرادتهم هم ؟

الأمريكي "إدورد بيرنيز" مؤسس مصطلح "العلاقات العامة" في 1920 يعتبر من دهاة العقول التي كانت تتلاعب بالعقل البشري بأطراف الأصابع ... فهو صاحب استراتيجية "أعطيك ما تريد لكن في الحقيقة أنت نفذت ما أنا أريد" ... ومن هذا الأمريكي الذي أبدع وطور الثقافة الإستهلاكية وهو أول من اخترق وغيّر في "العقيدة النسائية" من خلال استعانة شركات التبغ بهذا الرجل ... وآنذاك كان تدخين المرأة يعتبر عيب أو عادة منبوذة أو تدل على سوء خلق وسمعة للمرأة ... وكان التدخين محصورا على الرجال فقط وكان التدخين من علامات الرجولة المكتملة للعنصر الذكري من الجنس البشري ... وحتى يزيد من مبيعات منتجات التبغ أقحم المرأة في مسألة التدخين ودخل عليها من باب "قرارك الحر - استقلال شخصيتك - لا تسمحي لأحد أن يستغلك - أوقفي عنصرية الرجال - حقك بأن تفعلي ما تشائين" ... وبالفعل في زمان "إدورد بيرنيز" أشعلت المرأة السيجارة علنا أمام العامة في الشوارع والطرقات والنوادي والمسارح والطائرات حالها كحال الرجال ... الأمر الذي أدى إلى استغلال المرأة فيما بعد في إعلانات السجائر والتبغ وصولا إلى الأماكن السياحية باستعراض الفتيات بالمايوه للتسويق للأماكن السياحية مع شرط تدخين المرأة على اعتبار وجود الحرية وهو أيضا أول من أقحم أنوثة المرأة بالتسويق لشركات السيارات في المعارض الدولية ... ليتجسد تدخين المرأة وتترسخ القناعة أن التدخين المفرط تعبيرا عن حالة الغضب والتدخين الهادئ علامة على الإستمتاع ... كلها وقائع تؤكد أن إرادة الفرد يمكن أن يتم اقتحامها ومن ثم توجيهها إلى الأهداف المطلوبة ... تمام الأمر يتمثل في فن عرض المنتجات في الأسواق والجمعيات والمولات والتي لو أجريت فحصا نفسيا حقيقيا فلا تندهش أن 99% من رواد الأسواق يخرجون من المُجمّعات والمولات وفي عميق أنفسهم الرغبة الشديدة للشراء لكنهم لا يملكون المال الكافي لذلك ... وهنا نتعمق في المسألة لنركز عميق انتباهنا على المال وعلاقة الإنسان التاريخية بالمال الذي صنع مجتمعات وأسقط شعوبا واخترق حكاما وسياسيات وأنشأ اقتصاديات وهدم اقتصاديات ... ولذك في سبعينات القرن الماضي خرجت استراجية "القاتل الإقتصادي" والتي كانت تعني أرسال رجال أعمال أثرياء إلى دولتك فيشترون مؤسسات ويؤسسون شركات ويوظفون أبناء بلدك ومن باب الإستثمار يتم اختراق أمنك القومي وصولا إلى اختراق قصور الحكم ... حتى يصلوا إلى لحظة انهيارك الإقتصادي وتحطيم البورصة أو العملة الرسمية للدولة وإفلاس البنوك وغيرها من أدوات التدمير الاقتصادي ... كل ما سبق وأكثر ليؤكد أن الفرد قابل للإستغلال بدافع الطمع أو الجشع وصولا إلى دافع تحسين وتغيير مستواه ... لأن الطبيعي أن الجميع يكره الفقر ويهرب من الفقر ولذلك كل الدراسات الإستراتيجية التي تحدثت عن الإرهاب وأسبابه عللت أسباب كثيرة وعديدة لكن كان الفقر أهم نقطة رئيسية في كل الدراسات مهما كان مصدرها ... بمعنى أنك يمكنك أن تحصل على القتلة والمهربين والمرتزقة واللصوص من الدول والأحياء الفقيرة ... ولذك اليوم وتحديدا في عامنا هذا 2024 هناك شعوبا فعلا وحقيقة كل أمنياتهم الفعلية أن يجد من يستأجره ويرميه في أي جبهة قتال في أي مكان ولا يهمهم أن يعرفوا الأسباب لكن ما يهمهم هو كم راتبهم الشهري ... وهؤلاء سهل أن تجدهم في "أفغانستان - باكستان - أمريكا الجنوبية" شرط أن توفر لهم الراتب ما لا يقل عن ألف دولار + النقل الأمن + المأكل والمشرب ثم ارميهم حيث شئت ... وهذا النوع من البشر أتطيع أن أطلق عليه مصطلح "الإنسان صفر" أي وجوده من عدمه واحد لا قيمة له ؟



يتبع الجزء الثالث 



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم