2024-02-05

تناقضات عقل الإنســـان وصراع غرائزه 4

 

في علم المقارنات أو بما يسمى "علم الإجتماع المقارن" الذي أسسه "جادل إميل دوركايم" في 1895 ... والذي شخصيا اكتشفت بعد سنوات أن "علم المقارنات" في السياسة والإقتصاد وأحداث التاريخ وصفحاته وفي المجتمعات وتقلباتها ورصد سلوكياتها عبر العقود والقرون ... تكشف لك سلوك الفرد والمجتمع بسرعة التغير والثبات والهزيمة وكل التناقضات التي دائما ما تكون هي ردود أفعال لأحداث واقعية جرت على الأرض ووثقها التاريخ أو الإعلام ... وعلى سبيل المثال اليوم المجتمع ينظر للإنسان الذي يملك شهادة عليا أو شهادات خبرة متعددة على أنه شخص متعلم مهم نابغة سموها ما شئتم ... وفي الحقيقة أن تلك الشهادات لا تعني إلا شيئا واحدا وهو أن السلوك المجتمعي اليوم هو أكثر سلوك نفاق كاذب جاهل على مر العصور رغم التطور الخرافي الذي نعيش فيه بفضل الغرب لا العرب ... لدرجة لو جلبت أحد عباقرة ونوابغ العصر القديم لصعقت من علمه ورؤيته الثاقبة التي مصدرها أصلا الطبيعة والحياة والمجتمعات ... وكمثل لا أجد أفضل من سيدنا "إبراهيم الخليل" عليه السلام فهل كان نابغة عصره ؟ كلا ... وهل كان يملك علما وشهادات عليا ؟ كلا ... كل ما في الأمر أنه ملك البصيرة واستخدم عقله وتبصر في الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار فأردك ما لم يدركه غيره في زمانه ... وهنا نطلق الفرس لعنانه ونقول بكل يقين أن التبصر والبحث العميق والعميق جدا في رحلة البحث عن الحقيقة في النهاية ستجد ضالتها وتكتمل مكعبات تركيب الصورة لتفرح بإنجاز هدفك ... هذا إذا ما عرفت أن كل كل كل دول العالم لا تعرف شيئا عن حدودها البرية أي لم تستكشف حدوها البرية "غابات - صحاري - جبال - وديان" إلخ... لتبقى المهن الإنسانية صامدة أمام كل المتغيرات التي أحدثها الزمان والتكنولوجيا والمجتمعات مثل "الطب والتمريض - الهندسة - الزراعة - الكيمياء" وغيرها من العلوم شديدة الأهمية للإنسان ؟

لو راجعت تنظيم "حركة أمة الإسلام" التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1930 والتي أستطيع أن أصفها أنها كانت أول حركة إسلامية تقتحم أمريكا ... والغريب في الأمر أن الذي أسس تلك المنظمة الإسلامية "أمريكي أبيض" وهو "والاس فرد محمد" والذي اختفى بعد تأسيس الحركة الإسلامية ولم يعرف عنه شيئا منذ 1934 ... تلك المنظمة استمدت عقيدتها من التاريخ الإسلامي حصريا ولو تعمقنا في حقيقتها فسوف نكتشف بكل أريحية أنها حركة إسلامية نشأت وظهرت بسبب العنصرية ألا محدودة في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك ... وحكايات مساواة العبيد بالأسياد وتحرير العبيد مقتدين بأشهر العبيد الذين تم تحريرهم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أمثال "زيد بن الحارثة - بلال بن رباح - عمار بن ياسر" وغيرهم ... أي العنصرية الأمريكية كان السبب الأول ليتفجر الإسلام من بين "الأمريكيين السود" ... قد المنظمة الإسلامية "إلايجا محمد" ثم عين في المنظمة الأمريكي الأسود الشهير "مالكوم إكس" الذي فيما بعد خرج عن قواعد وأسس وأهداف "إلايجا محمد" ثم طرد "مالكوم إكس" من "حركة أمة الإسلام" ... الأمر الذي أدى إلى تحالف "مالكوم إكس" مع "مارتن لوثر كينغ" من أجل توحيد صفوف السود وإن اختلفت الأديان بين الإثنين "مسيحي ومسلم" ... المهم في ما سبق هو نوع الخطاب ومستوى الكلمات التي استخدمت من أجل صناعة أكبر قدر من التأثير على الجماهير البائسة المنهارة من السود حصريا لتضرب الكلمات الرنانة في صميمها في حالة من استغلال الإرادة والفكر بشكل إيجابي ... وللعلم المؤسس "إلايجا محمد & مالكوم إكس" كلاهما استغلوا الدين الإسلامي بشكل أو بأخر بالشكل الصحيح أو الخاطئ لأن مهمتهم كانت صناعة شعبيتهم وصناعة الأنصار ... وبالمناسبة "مالكوم إكس" زار السعودية في 1964 لأداء مناسك الحج فتم اعتقاله وحبسه لبضعة أيام حتى عرفوا حقيقة من هو وقدمت له كافة الخدمات حتى أن الملك الراحل "فيصل بن عبدالعزيز" استقبله وتبادل معه أطراف الحديث ... واغتيال "مالكوم إكس" في 1965 لم يكن بسبب إسلامه أو الدين الإسلامي أو كثرة أنصاره الذين تجاوزوا عشرات الآلاف ... بل بسبب خوف أمريكا من تمدد الشيوعية إلى قلبها ومقابلة "مالكوم إكس" مع الزعيم الشيوعي "فيدل كاسترو" في 1960 هي من خطت توقيع أمر اغتياله ؟  

لو ذهبت لهدف واحد لشراء "USB" وكان معك 10 دنانير فقط ودخلت مركز كبير لبيع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والمستلزمات المنزلية ... فإن نفسك ستنازعك برغبة شديدة بأمنيات شراء أمورا وأشياء أخرى من نفس المعرض لأن كثرة المنتجات أثارت غريزة الشراء أي غريزة التملك ... ولو كان معك 100 دينار لن تتوقف غريزة الشراء لأن هناك ما هو أكبر ولو كان معك ألف دينار أيضا لن تتوقف غريزة الشراء وحب التملك ... لكن لو كان معك 100 ألف دينار فلن تشتري إلا حاجتك وتخرج دون أي تأثير مطلق والدافع في الغالب تحكمه الغريزة لا الحاجة ... ولذلك يتقاتل وكلاء المنتجات على نقاط البيع المختلفة لعرض بضائعهم أولا أمام الزائر وبشكل لافت وبالتأكيد مع دفع الرشاوي في تلك المنافسة حتى تجذب انتباه المتسوق ... وعلى الجانب الأخر في الطعام فإن الغريزة البشرية أولا يتحكم بها العقل ثم النظر وكثيرا ما يكون النظر مقدما أو مسيطرا على العقل ... بمعنى لديك على العشاء بعدد 5 ضيوف فتصنع أو تقدم لهم مأدبة تكفي لـ 10 وهنا المسألة مرتبطة كليا مع "الهوس الاجتماعي أو النفاق الاجتماعي" حتى يطلقوا المديح لك وينشروا للأخرين درجة سخائك ... أما الإنسان الفقير فإن "داء الفقر أو متلازمة الجوع" دائما ما تجدها تسطير على كيانه ككل فإن أكل أكل بشراهة وإن قل أكله اضطر للإقتصاد في لقيماته ... مع أن الغني والفقير كلاهما لن يأكلا أكثر من حاجتهما الجسدية والتي تتراوح ما بين 7 إلى 15 لقمة أو ملعقة كأقصى حد ... لأن بديهيا معدة الإنسان لا تملك مساحة أكبر وكمثل دخلت حفل زفاف أو بوفيه فندق راقي وفيه 70 طبق من كل الأصناف فهل معدتك تملك أن يدخل فيها 70 ملعقة طعام ؟ بكل يقين ليس كلا بل مستحيل ؟

في فنون التسويق وفنون البيع وضعت دراسات واستراتيجيات تحاكي أولا النزعة البشرية وفطرتها المتقلبة ... وكما أسلفت في صراع شركات البيع أعلاه فإنك في 90% من المحلات والشركات لم تلاحظ أن لو كان المشتري رجلا أرسلوا له بائعة امرأة ولو كان الشاري امرأة أرسلوا إليها رجلا بائعا ... والسبب ببساطة حتى يتم التلاعب بمشاعر الزبائن رجلا كان أو امرأة حتى يدغدغوا مشاعرهم في حالة أستطيع وصفها بـ "تعويض النقص" لدى الطرفين ... ولذلك لو رصدت وراقبت فترة الوقت المستغرق لعملية البيع فستجد بديهيا أنها تتجاوز 10 دقائق ولو كان الشاري منفردا فلن يأخذ أكثر من 3 دقائق للتفكير وأخذ قرار الشراء ... وهنا تتجلى الـ 7 دقائق ما بين عملية استغلال المشتري بالحديث الجانبي أو بشم أنفاسه وعطره أو بتفحص أناقته وشكله أو وسامته كبائعين رجلا أو امرأة ... وانتبهوا أيها السيدات والسادة قرائي الكرام حتى الأن لم نخرج من عميق بحثنا في كيفية اختراق عقولكم ومن ثم التحكم بقراركم ... فعمليات البيع والشراء حكاية طويلة جدا لا تنتهي من علوم التسويق التي لم تخرج إلا بعد أن فتحوا مراجع "علم النفس" على مصراعيها لأنها أصلا ويقينا التسويق مرتبط تماما مع النفس البشرية وأنواعها وطريقة تفكيرها ... تماما في "العلوم السياسية" التي تستهدف العقول حصريا بكلمات بخطابات بسياسات أعدت مسبقا لجذب أكبر قدر ممكن من الجماهير بعكس سطحية السياسة في زماننا التي تخاطب عواطف السذج ... وهنا التاريخ يخبركم أن الكلمة والكلمات كانت ولا تزال وسوف تبقى هي الرصاصة التي لا تخطئ والسهم الذي لا ينحرف بإصابة وتحقيق أهدافه ... بمعنى أن الكلمة يمكن أن تغير قناعتك أهدافك دينك وإيمانك حياتك كلها هي أصلا عبارة عن بضع كلمات ... والأيام تثبت بتجاربها للفرد مدى صحته من عدمه ولذلك خبرة الحياة تتجلى من خلال أرشيف كبير جدا لتجارب ومحن وأفراح وأحزان تصل في كثير من الأحيان إلى المآسي ؟

إن الكتب السماوية ثم كتب التاريخ وعلم النفس وكل ما وصل إليه الإنسان لا يخبرونا إلا بحقيقة واحدة وهي "الحذر ثم الحذر من الإنسان فإنه لا يؤتمن جانبه وما آلام الإنسان إلا بسبب الإنسان وما أفقر الإنسان إلا الإنسان وما مزق الأمم والشعوب إلا الإنسان وقل ما شئت وحلل ما شئت ستلف وتلف ولن تجد إلا الإنسان هو العلة والداء وهو لب المصائب والكوارث حتى أنه صنع أسلحة قادرة على فناء نصف بني جنسه وصنع فايروسات كافية لنشر الوباء فيقتل ثلثين البشرية" ... لنعود إلى البداية فتتجلى الحقيقة أمامنا أن الإنسان هو كتلة من التناقضات وكم مهول من الأكاذيب وقطار طويل جدا من التبريرات ... والحقيقة التاريخ التي يخبرنا بها علم "التاريخ البشري" أن الإنسان لا يستقيم إلا بالعصا ولا يهاب إلا من القوة ولا ينضبط إلا بقوة القانون ... وعلى النقيض أيضا "التاريخ البشري" يخبرنا أن علية القوم من الحكام وأسرهم وكبر التجار والأثرياء هم الإستثناء فلا تطالهم العصا ولا يصل إليهم القانون ... ولذلك في زمانكم هذا ليس من الغريب أن نعلم بأن 50 شركة عملاقة تسيطر على طعام 8 مليار إنسان و 100 فرد يملكون 1.4 تريليون دولار والتي تكفي بكل أريحية أن تسدد ديون ما لا يقل عن 50 دولة وشعب حول العالم و 4 تريليون دولار هي أقل قيمة لسرقات 300 فرد من رؤساء دول ورؤساء حكومات وسياسيين واقتصاديين خلال الـ 20 سنة الماضية فقط ... والقاعدة الأبدية في السلوك البشري منذ آلاف السنين أن من يملك المال يملك البشر ويسيطر على الأفراد والجماعات ... وبسبب المال حدثت هجرات بشرية لا تعد ولا تحصى وبسبب المال استغلت أعراض النساء وازدهرت تجارة الجنس حتى قيام الساعة وبسبب المال ارتفع أراذل القوم وأكثر من هم وضاعة وخسة ووصلوا للسلطة ... وهذه هي حكاية الإنسان تدور ما بين الطمع والجشع وما بين الخوف والفزع وما بين النرجسية والكذب وما بين الكره والحقد وما بين النفاق والرياء السياسي والإجتماعي والوظيفي ... ولا تزال الحرب ضد الحب والإنسانية والحق والعدالة والرحمة قائمة بضراوتها وشراستها منذ أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد وحتى يومنا هذا وإلى قيام الساعة ... وسبحان الله الصابر الحليم على عباده وسبحان من يوم القيامة كل أتيه وكل له ذنوبا ومعاصي والله المستعان ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم