2024-02-01

تناقضات عقل الإنســـان وصراع غرائزه 1

 

طبيعة الإنسان وأي إنسان على وجه الأرض مرتبط أولا بالغريزة وبنسبة 100% ... ثم تأتي صفة الطمع والجشع لتحل المرتبة الثانية بعد الغريزة ... والغريزة هي النزعة السلوكية في باطن الإنسان كأساسيات لا تنفصل عن بعضها مثل "الطعام والشراب والأمان والخوف والفرح" ... ثم تأتي نزعة الطمع والجشع وهي أن يحصل الإنسان على أكثر من حقه وأكبر من احتياجه ليصنع تميزا ذاتيا في عميق نفسه ليصنع اختلافا عن الأخرين ... ثم في المرتبة الثالثة تأتي صفة "القناعة والإقناع" ومن هنا تتضارب كل عقول البشرية في المعتقدات الروحانية في الأديان السماوية في السياسة في الإقتصاد في البيع والشراء في القتال في الأوطان وصولا حتى في الزواج وفي كافة أنواع وأشكال العلاقات الإجتماعية ... ومن المستحيل تجد اتفاق بشري على أمر واحد ولو كان دينا سماويا ولو كان مبدأ منطقيا فالبشرية لا تتفق ولن تتفق على رأيا واحدا حتى لو فنيت نصف البشرية بسبب الحروب والمجاعات والأمراض ... وعلى سبيل المثال ضع مسلمين "واحد سني + واحد شيعي + واحد صوفي" واتركهم في منزل وأغلق عليهم الباب ليتفقوا وامنحهم مدة 3 أيام ... بعدها تفتح باب المنزل فستجده محطما بسبب ما دار بينهم من اختلاف بالرأي أدت إلى الاحتدام ثم وصلت للتشابك بالأيدي ومن ثم كل ما طالته أيديهم فحطموا المنزل بسبب خلافهم رغم أنهم من دين واحد ... وضع في نفس المنزل ونفس التجربة واجمع "سني سلفي + سني إخواني + سني ليبرالي" بكل تأكيد ستكون كسابقتها خلاف ثم تشابك بالأيدي ثم تحطيم المنزل رغم أنهم من نفس الدين ومن نفس المذهب ... وبكل تأكيد المذهب الشيعي في عميقه ما صنع الحداد لدرجة سفك الدماء فيما بينهم أي ليس أفضل ممن سبق ؟

تلك الحالات والأمثلة التي سقتها أعلاه هي متطابقة تماما بل ومتشابهة يكاد يكون صادم ومثير للدهشة لواقع العبودية في تجارة العبيد في أفريقيا ما قبل 1850 ... في البحث العميق عن كيفية ازدهار تجارة العبيد في أفريقيا وشحنهم لمختلف مناطق العالم لعرضهم في الأسواق وبيعهم وامتلاكهم ... والسبب كان خلافات وصراعات بين القبائل الأفريقية فكانت قبيلة تبيع الأخرى حتى وصلت الأمور إلى أن قبائل أفريقية كانت تتنافس من يقدم أفضل الخدمات للأجانب ومن يقدم لهم أفضل وأجود أنواع العبيد ... والجودة هنا يقصد بها عبيد الشباب ذوي البنية الصحية القوية والبنات ذوي الأجساد الجميلة ... فازدهرت تجارة العبيد بمقابل المال والسلاح كما أيضا ازدهرت الدماء حتى وصلت قيمة الإنسان = 0 ... وكما أسلفت في موضوع "ماضي وحاضر العنصرية" في مواضيع 1-2024 على هذه المدونة ... فإن الأديان السماوية "اليهودية والمسيحية والإسلامية" لم تحرم بيع وامتلاك العبيد نهائيا بل نظمتها وعززت تشريعها في غريزة وطبيعة بشرية تمتد لأكثر من 10 آلاف سنة ماضية وأكثر ... في تطور الغرائز بأشكال مختلفة متعددة مثل "غريزة المال - غريزة الحكم - غريزة القتال - غريزة النساء - غريزة الأطفال - غريزة التعذيب - غريزة العبيد - غريزة التحريض" وغيرها الكثير ... وسبب هذه الغرائز التي ظهرت بشكل متتالي هو تطور الزمان والتغيير المهول في المجتمعات البشرية وطبقاتها الإجتماعية ... مما أثار وأدى ظهور عقليات قد تختلف أو تتفق معها لكن لا يمكن أن تتركها دون التعرض لها في الكشف والتحليل كدهــــاة العقول ... ودهاة العقول بالمناسبة من بين كل مليون إنسان لا تجد سوى 100 كأفضل تقدير وألف من كل مليار 1.000 ... أي ونحن بتعداد 8 مليار نسمة فإن دهاة العقول لا يتجاوزون 8.000 فرد ... ودهاة العقول لا دخل لهم بالمهارات الفردية الخطيرة والنادرة فالعقل شيء والمهارة شيء أخر مختلف تماما ... والسامري من قوم "بني إسرائيل" كان من دهاة العقول بالمناسبة ... وداهية العقل هو من يفكر ويحلل بشكل مختلف خارج عن المألوف وخارق للعادة لا يقيده علم ولا قانون ولا مجتمع ولا دين ولا عقيدة ... عقل استثنائي من نوعين الأول : يوظفه للكسب المادي والشهرة ليتمكن من الوصول إلى بلاط الحكم بهدف المنفعة الشخصية الصرفة ودائما يبحث عمن يدفع أكثر ويقدر قيمته جيدا ... والثاني : يوظفه لذاته أولا ثم للبشرية في محاولة لإصلاح المجتمع مدركا نهايته البديهية فيتساوى أمامه الليل والنهار واليوم وغدا بمعنى أنه أدرك النهاية فاستبق التنبيه للجميع ؟

تعمق في أسرتك ثم في عائلتك في مجتمعك ثم في دولتك ... لن تجد اتفاق على أمر واحد ومن يتفق معك فقد اتفق على مضض أي ليس باقتناع إلا ما ندر ... ومن هنا ظهرت المجتمعات الحرة ومجتمعات العبيد أي مجتمع يتحدث وينشر ويناقش مشاكله بحرية بسبب حاكمه وحكومته باتفاق مسبق ... ومجتمع متخلف لا يناقش لا ينتقد خوفا من انتقام الحاكم وسياط حكومته ... وهذا تأكيد أخر لواقع أن البشرية لا تتفق ولن تتفق بدليل ما أمن للرسل والأنبياء إلا القليل من بعض قومهم ... ورسولنا عليه الصلاة والسلام تحول من الصادق الأمين إلى الساحر الكذاب المجنون ... وهنا مفارقة الإدراك تتجلى بقوة دافعها ليس الرسول بذاته بل الوجاهة الإجتماعية وغريزة الجشع والطمع التي تقاوم أي تغيير قد يتسبب بفقدان التميز بين أفراد المجتمع ... مثل شخص يمتلك 300 عقار يوفرون له دخلا شهريا 10 ملايين دولار تأتي الحكومة تعدل قوانين العقار والإيجارات والتملك بديهيا يتحول المالك إلى معارض للحكم بذاته وليس حتى للحكومة ... والسبب منطقيا أنك ضربت أرباحه الشهرية التي تضمن له تميزا بين أفراد المجتمع في حالة من غريزة الطمع والجشع ... تلك الحالات التي سردتها أعلاه كلها أدت إلى ظهور من يحلل تلك الحالات من خلال وقائع على الأرض وحالات واقعية تمارس كل أشكال الغرائز من الحاكم إلى المحكوم ومن التاجر إلى الفقير ... ومن هنا ظهرت النظريات والتحليلات وصولا إلى توسع خُرافي في أبواب علم النفس البشري ... فشرحت وفصلت تلك التحليلات في سلوك الأفراد والجماعات وصولا إلى المظاهرات والثورات الشعبية وأسبابها وتداعياتها ... حتى أنها لم تترك سلوك الحاكم وكيف يصل للحكم وأدواته ومن هم أعوانه وأنواعهم من شخصيات ... وهذا ما سوف أتوسع فيه كشفا وشرحا في الأجزاء القادمة ؟



يتبع الجزء الثاني 



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم