2024-05-09

الهنـــد .. أغرب من الخيال ؟

 

إن دورة الأيام لم تترك أمة ولا شعب ولا حضارة إلا وقد عصفت بها وجعلت أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها ... ومن الواضح جدا أن الكثيرين يجهلون الهند لا بل وحتى بعض قراء وكتاب التاريخ يعرفونها لكنهم حجبوا عظمتها ... عظمتها التي لا ترتبط بدين أو ملة أو مذهب أو ديانة بل تتجاوز كل هذا بكثير جدا ... لتتجلى عظمة الآية القرآنية في سورة الحجرات { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } ... والتي تجلت حقيقتها في الهند كإحدى الدول ذات التاريخ العريق والأحداث العاصفة والحكايات المدهشة التي يكاد العقل البشري لا يصدقها ... ولو أردت أن أذهب بكم بعيدا عبر رحلة التاريخ فإن عظمة الهند فاقت بألف مرة عظمة "العصر الأموي والعباسي والعثماني" ... من حيث الهندسة وفن العمارة في آلاف القصور الفاخرة التي لا يزال الكثير منها شاهدا عليها حتى يومنا هذا مثل قصر "تاج محل" والذي يتجاوز عمره أكثر من 300 سنة ماضية ؟

قبل 1900 كان الإحتلال البريطاني للهند والذي لم تصنفه صفحات الإنترنت الحديث بحقيقته أن الجيش البريطاني كان عبارة عن لصوص وفاسدين ومرتشين ... ولذلك غيرت قواعد اللعب السياسي هناك فقد أسقطت بريطانيا عظماء وأثرياء وصنعت بدلا عنهم عظماء وأثرياء وبعضهم لم يسقط وتماشى مع الأمر الواقع للإحتلال ... وهذه الأسر الثرية والحاكمة في أقاليم الهند كانوا أصحاب ثراء فاحش وفاحش بالمعنى واللفظ ... قصور فاخرة وموائد عامرة ومطابخ لا تنطفئ نيرانها ومزارع شاسعة ومصانع مختلفة وتجارة واسعة مع "إيران - الصين - اسطنبول - الشام - شرق أسيا" إلخ ... وكانت الهند تسمى "الهند الكبرى" وقتها لم يكن هناك وجودا لكل من "بنغلاديش - سيريلانكا - باكستان" كلها كانت "الهند الكبرى" ... وفي أثناء الاحتلال البريطاني للهند صنعوا "بارونات - أسياد - زعماء العائلات" وكان هؤلاء هم من يديرون اقتصاد الهند بل وحتى سياسة الهند بعد موافقة بريطانيا ... وكانت تلك العائلات لديها عبيد وخدم ومحظيات وعمال وموظفين ومزارعين بالملايين ... ولا أكثر دليلا على جودة القماش والحرير الهندي الذي كان يتفاخر به المغول والتتار والعثمانيين وبلاد الشام ما قبل سنة 1900... والقطن الإنجليزي هو بالأساس قطن هندي منذ 200 وحتى يومنا هذا ولن تجد في العالم أجود من الأقمشة "الهندية الباكستانية" لجودة وطبيعة الأرض لزراعة القطن بالإضافة إلى الصين ... والماهراجا أي "الملك العظيم" لم يكن فردا بل أسرا وعوائل كانت تتربع على عرش ثروات مرعبة منهم من كان يتدفأ من خلال حرق أوراق "الروبية الهندية" لتدفئته وأخر كان ما يلبسه اليوم لا يلبسه مرة أخرى نهائيا ... وأخر كان يأكل بمعالق من الذهب الخالص وأخر كان يهدي الألماس النادر لبطانته ونسائهن حدث ولا حرج ... منهن من كانت تمشي بطريق نثر عليه أوراق الورد المعطرة التي تم قطفها قبل لحظات وأخرى تستحم بالحليب والعسل وأخرى يفرش لها في السوق أجود أنواع السجاد وأخرى كان يمشي ورائها ما لا يقل عن 30 خادمة ووصيفة وخادم وبعضهم وصل العدد لـ 100... قصص ووقائع وحقائق من التاريخ تكشف عن واقع أمما وشعوبا عاشت ببذخ خُرافي لا وجود له اليوم ؟

الشاي تم اكتشافه أولا في الصين ومن ثم وصل إلى الهند بنفس الإسم الذي كان يطلقه الصينيين قديما "چـــاي" ... ومن ثم وصل إلى العراق ثم وصل الكويت في سنة 1890 - 1900 وكان لا يشربه إلا كبار التجار وشيوخ الكويت حصريا بسبب ثمنه المرتفع آنذاك ... وعمل في الهند أبناء دول الخليج اليوم منهم من كان يعمل كاتبا ومنهم من كان موظفا ومنهم من كان عاملا وقبورهم هناك تشهد على ذلك ... وكلمة "بــــس" التي نتداولها في لهجتنا الكويتية والخليجية أصلها "كلمة هندية" ... والبرياني الذي نعرفه أصله من بلاد فارس ومن ثم انتقلت الأكلة إلى الهند ومن ثم للكويت وفشل البرياني في العراق ... أما مسألة كيف غزا الهنود بريطانيا حتى وصل اليوم إلى سدة رئاسة الوزراء هندي الأصل فهي نتاج الاحتلال البريطاني للهند من 1850 إلى 1947 ... وعندما تخلت بريطانيا عن الهند ومنحتها استقلالها انقسمت الهجرات الهندية إلى بريطانيا إلى قسيمين ... الأول : هم الهنود العبيد الذين رفضوا ترك خدمة أسيادهم فرحلوا معهم + الأثرياء من العوائل الهندية التي كانت تعمل في خدمة الإحتلال البريطاني فعرفت مسبقا بمسألة انتهاء الإحتلال البريطاني فنقلت كل ثرواتها إلى لندن ... الثاني : هم الهنود الذين كانوا يدرسون في بريطانيا على نفقة الإحتلال "الطب - التعليم - الحقوق - صحافة وإعلام - إلخ" وهؤلاء بعد تحرير الهند نقلوا أهاليهم إلى بريطانيا وعاشوا هناك وأسسوا أجيالهم ... تماما كما حدث مع العراق والتي تحتضن بريطانيا اللاجئين والسياسيين والمعارضة والمهاجرين ... أما الهند كقوة اقتصادية فاليوم بكل تأكيد هي قوة اقتصادية ونووية وفضائية لا بل هي أول دولة في العالم تنجح بالوصول إلى "كوكب المريخ" في برنامج فضائي بدأ في 2013 ونجحوا بالوصول للمريخ في 2014 ... وصناعة السينما الهندية التي تدور في عجلة هذه الصناعة أكثر من 80 مليار دولار سنويا = 24 مليار دينار كويتي سنويا ... وبعيدا عن الأديان والمعتقدات فإنه لا يمكنك مطلقا بأن تعزل الهند عن الحضارات القديمة ويكفيك "حضارة السند" 3.300 ق.م وما قبلها ونوعها العرقي واللغات واللهجات والثقافات والعادات والتقاليد ... الهند أسطورة تاريخية حقا لكنها أيضا أسطورة في الفساد الذي يمكن للمال أن يشتري هناك كل شيء وكل شيء بمعناها الحقيقي بمصطلح "الأرض ومن عليها" أي تشتري أرضا أيضا يمكن شراء من يعيش عليها ويكونوا خدما وعبيدا لك ... تلك هي ثقافتهم كانت ولا ما زالت وسوف تبقى ولو وضعت عليهم مليون قانون ومليون مانع لذلك فلن تتغير تلك الثقافة ؟



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم