العالم كان يسيره الإنسان بالدفع الذاتي أي بجهوده المفردة ثم ظهر
تطابق الأفكار والرؤيا ثم حدث التعاون ثم المشاركة بدأت من الفرد ثم إلى الجماعة
ثم إلى الأمة ... ولما توحدت الأمة قديما أدركت حجم قوتها بالرغم من عدم اكتشاف أي
تطور للأسلحة ولا حتى للمنظومات والعقيدة القتالية ... ثم وجد الحاكم أن يستعين
بحاكم وشعب أخر للقيام بما يصعب عليه فابتكرت التحالفات الإقليمية والتي يرجح التاريخ
أنها قبل أكثر من 5.000 سنة اكتشفت في الإمبراطورية الصينية أثناء صراعاتها وأيضا
في الإمبراطورية اليابانية أثناء تمددها ... وفي نفس تلك الحقبة وحتى في أوائل
السنة الميلادية أي من 1 إلى 100 ميلادية كان هناك مبدأ الوحشية وعندما نقول
"الوحشية" أي كل ما هو خارج عن المنطق والإنسانية والأديان البشرية
والسماوية ... الوحشية تمثلت بأبشع صورها ويظن الكثيرون أن النازية والفاشية
والشيوعية وصراع الخلافة الإسلامية وحقبة مجازر العهد الأموي والعباسي والعثماني
أن كل تلك الحقب كانت مأساوية ووحشية ... لكن الحقيقة التي أظهرها التاريخ بأدلة
عديدة أن ما كان يحدث قديما كانت هي الوحشية بعينيها وبذاتها فقد أبيدت قرى كاملة
ومسحت من الذاكرة والتاريخ نسل كامل وجيل كامل ... لا شيء كان يوقف تلك الوحشية لا
إمرأة حامل يغرس السيف أو السكين في بطنها ويصل إلى قلب جنينها ولا شيخا عاجزا
ينتظر الموت بكرامة ولا عرضا ولا شرفا ... مجازر هزت السماء من هولها فضت بكارة
ملايين البنات وبيع منهن آلاف الآلاف وفرق الأخ عن أخته والبنت عن أمها فهذا أصبح
في الشرق وذاك بات في الغرب مسيرة أسابيع وأشهر ... تجلت الوحشية في الإمبراطورية
الرومانية والفارسية والصينية واليابانية واليونانية جرائم تطلق لعقلك العنان أن
حتى خيالك يمكن أن يكون واقعا وقد حدث بالفعل من هول ما ارتكب من فظائع وجرائم ...
لا أحد يحاسب ولا أحد يراقب وينقل الأخبار ولا أحد يضع الطغاة على منصات المحاكم
الدولية لأنه أصلا لم يكن هناك ولم يعرف بعد مصطلح "المجتمع الدولي" ولا
"المنظمات الدولية" ولا كل وأي مصطلح مما أصبح هو دارج في زماننا هذا ؟
بادت وسقطت تلك الأمم وتلك الإمبراطوريات فانتقل نهج الإجرام إلى وسط
قارة أوروبا في حقبة ما يطلق عليها "العصور الوسطى" بعد انهيار
الإمبراطورية الرومانية في 395 ميلادية ... في سنة 1.000 ميلادية
"تقريبا" ظهرت صراعات ومجازر ووحشية العصور الوسطى التي مزقت العقل
البشري من هول فظاعاتها وكم جرائمها ... ولو أجرت مسحا على خريطة العالم أو كوكب
الأرض وطابقت التاريخ معها فستكتشف بسهولة متناهية أن أكثر من 90% من حروب الجنس
البشري وقعت في أفريقيا وأوروبا والصين وفي شبه الجزيرة الصينية و 10% فقط ستتمركز
الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط ... مما يؤكد أن منطقة الشرق الأوسط رغم
كل تاريخها تبقى هي الأرض الأكثر استقرارا وأرجح هذا الإستقرار بسبب ظهور الأنباء
والمرسلين والكتب السماوية والتي تتمركز تلك الحقبة ما بين العراق وفلسطين ومكة
المكرمة في مثلث جغرافي غريب فعلا ... ولما استبد الطغيان وعادة مرة أخرة بدأت أول
حرب عالمية في التاريخ البشري بين أكثر نمن 25 دولة وشعب وأمة في 1914 استمرت لمدة
4 سنوات وانتهت في 1918 ... نتج عنها سقوط أخر خلافة إسلامية في التاريخ الإسلامي
وهي الخلافة العثمانية وسقوط الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية الروسية ... ثم
ما لبثت أن عادت واشتعلت الحرب العالمية مرة أخرى بعد هدوء استمر 21 سنة فسميت
الحرب العالمية الثانية التي بدأت في 1939 وانتهت في 1945 ودارت رحاها بين 25 دولة
رئيسية و17 دولة مساندة في الشرق الأوسط ... واستمرت الحرب العالمية الثانية 6 سنوات
خلفت أكثر من 50 مليون قتيل وأكثر من 70 مليون جريح و أكثر من 5 ملايين مفقود وعلى
أثر ذلك أدركت الدولة إلى حاجتها لمنظمة دولية تحمي الجنس البشري وتقيه من القتل
وسفك الدماء وتنظم العلاقات بين الدول وتختص بفض وحل النزاعات بين الدول فأنشأت في
أواخر 1945 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أول منظمة عالمية وهي هيئة الأمم
المتحدة ... كل التاريخ السابق يؤكد حجم جرائم الإنسان بأخيه الإنسان وأن التاريخ
والعلم والباحثين والخبراء لا أحد يستطيع بدقة أن يحدد العدد الحقيقي لضحايا حروب
الإنسان في تاريخ الجنس البشري إلا الله وحده سبحانه العالم المطلق الذي لا يخفيه
شيء سبحانه ... لكن شخصيا أنا لا أستبعد أن يصل عدد قتلى الحروب بين الأمم السابقة
لأكثر من 2 مليار نسمة ويكفي أن تعرفوا أن الأمريكان قد أبادوا أكثر من 112 مليون
نسمة في أخر إحصاء جرى في سنة 1900م في حرب الهنود الحمر والتي سميت "إبادة
الشعب الأحمر" ؟
يعكس كل ما سبق من الفكر الشيطاني إلى أن ما يحدث في أيامنا هذه وسنواتنا
القليلة الماضية لهو امتداد للفكر الشيطاني الذي يستحقر الأديان السماوية ولا
يعترف بالإنسانية ويستنكف من القيم والمبادئ الرفيعة ... تتجلى تلك الصورة
الشيطانية بما نشاهده من خلال سياسات إجرامية عديمة الخلق فاقدة لأي مبادئ مهينة
بقسوة للشرائع السماوية المقدسة العظيمة ... جرائم ترتكب خلف الإعلام وأفراد يختفون
قسريا ومراكز تعذيب وحشي واغتصاب نساء وقتل ودفن أبرياء اختفوا تماما ولا يعرف حتى
مكان قبورهم وهياكل عظمية بشرية لا يعرف أصحابها ... حرب نفطية وحرب اقتصاديات
واستغلال وابتزاز ونظرة استحقار فأصبحت الدول تقاس وفق مساحتها لا تاريخها وفق عدد
شعبها لا وفق عظمتهم ... وقول الحق أصبح جريمة وكشف الحقيقة أصبح تهمة وقلب الحق
إلى باطل أصبح نزاهة وظهور الشريف العفيف في عمله أصبح أمرا شاذا ... والكثير من
الحكام يكذبون وسياسيين دجالين ورجال دين منافقين وأبرياء يزجون في غياهب السجون
وقضاء ظالم وفاسد ومرتشي ... والشريفة عاهرة والعاهرة عفيفة وقلب لكل قيم ومبادئ
الإنسان وتدليس على الشرائع السماوية فأصبحنا نعيش في زمن أغلب ما فيه مقلوب
ومختلف ... ونقاوم ونحاول أن نصحح تلك القيم الإنسانية لعل الله يكتب لنا فيها
أجرا أو لعل الله سبحانه يحدث أمرا ويرفع البلاء عن عباده الصالحين بعدما استبد
المفسدين في الأرض وجاروا وصالوا ظلما وعدوانا وبغيا ... كل شيء في التاريخ وكل
الحقائق والأدلة لا تخبرنا إلا بحقيقة واحدة وهي : الإنسان عدو الإنسان والإنسان
كان جريمة الإنسانية قتله طمعه وجشعه وجهله وغروره وتكبره فظن أن الله لا وجود له
وظن أنه مخلدا في الأرض ... فالحمد لله رب العالمين سبحانه أن جعل الإنسان له فناء
وموتا في دنياه رحمة به وانتقاما له فارتقب أيها التافه موعدا لن يخلفه الله لك
عندما ترى العذاب بأم عينيك وتذوق الهلاك بقين الواقع ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم