الفقر إما يجعلك وضيعا أو حكيما ويجعلك تتأرجح ما بين شياطينك وما بين
ملائكتك وتقلبك الأيام يمينا وتارة شمالا فإما أن ترتكز على أرض صلبة أو تتيه في
دائرة الزمان والأيام ... وفي موضوع قديم قد كتبته ونشرته أتذكر جملة فيه عندما
قلت : إن عظماء الأرض هم الفقراء فلم يذكر التاريخ أحدا من الأغنياء أو الأثرياء
كان ذوو فضل على البشرية والناس أجمعين ... يبلغ متوسط تناول الفرد الكحوليات على المستوى العالمي 5.9 لتر صافي عام
1990 وارتفعت هذه الكمية عام 2017 إلى 6.5 لتر وهناك 46% من سكان الأرض لا
يتناولون الخمور أي نسبة المتعاطين هي سنويا ... والعالم العربي في 2017 استهلك
أكثر من 106 مليــــار لتر من الخمور سنويــــا بمعدل 236 لتر لكل فرد عربي وفق
إحصائية منظمة الصحة العالمية ... والتي بالتأكيد لا تعني أن كل فرد يتناول الخمر بل
وزعت النسبة على تعداد السكان الإجمالية والتي توضح أنه "تقريبا" 150
مليون عربي يتناولون الخمر والبيرة من أصل 450 مليون بمجموع يتجاوز 30 مليار علبة
بيرة وزجاجة خمر سنويا وقيمة لا تقل عن 90 مليار دولار سنويا ... وقد بلغ عدد
المراقص والملاهي الليلية والبارات ومتاجر الخمور في الدول العربية بأكثر من 50
ألف محل تحتل مصر المرتبة الأولى ثم المغرب وسوريا وتونس والإمارات وغيرها
... تدر دخلا على الحكومات مجتمعين بما لا يقل عن 6 مليار دولار سنويا وتعمل في
تلك المحلات ما لا يقل عن 10 آلاف إمرأة مرخصة ويرتادها أكثر من 100 ألف إمرأة ؟
ماذا تريد من هذه الأرقام وما دخلها بالموضوع ؟
أكثر من 90 مليار دولار ضف عليها 90 مليار أخرى
= 180 مليار دولار تصرف سنويـــا على بنات الليل ينفها
العرب والمسلمين في أوطانهم على تغييب العقول وتحطيم المجتمع وتفسخه ولم يلتفت
أحدا قط على من ينير لهم طريقهم ... 180 مليار دولار ولم ينفق منها دولار واحد على
عظماء الفكر والفلسفة والرأي السديد ... 180 مليار دولار كان فقراء المسلمين وأهل
الثقافة والعلم أولى بها ... 180 مليار دولار لا تزال تصرف سنويا يمكنها أن تبني
سنويا أكثر من 4.000 مدرسة جديدة وأكثر من 500 مستشفى عملاق ضخم وأكثر من 3.000
مركز صحي ... 180 مليار دولار كانت أكثر من كافية بأن تسحق سفهاء السوشال ميديا
والطبالين والمنافين والجهلة ويقفز إلى الأعلى أهل العقول النيرة والفلاسفة
والمثقفين الحقيقيين وليس المستثقفين ... أكثر من 180 مليار دولار كانت أكثر من
كافية بأن لا يستمر النظام الصهيوني اللقيط لأكثر من 10 سنوات فقط من شدة الوعي
والثقافة العربية الرفيعة ... لكننا سفهنا أهل الفكر واستحقرناهم ووضعنا من قدرهم
بل ووصفناهم بأوصاف مشينة فهذا معتوه وذاك مغرور وهذا بالسجون وذاك بالمعتقلات ...
ولا أكثر عار على أمة بأكملها أن يعتزل عقلا الكتابة والظهور بسبب الفقر ولا أشد
ألما من أن يموت عالما وفيلسوفا وباحثا دون أن يشعر به أحدا ... ولا أكثر عارا من
ساقطة وداعر ومنافق تنفجر المواقع فيه خبرا وإشادة أو خسارة !!! ... وعظماء ماتوا
قبل أن يروا بأم أعينهم كم ندم العالم على خسارتهم يوم كانوا يحقرون ويهانون في
أوطانهم وفي مجتمعاتهم مثل : جاليليو جاليلي وابن
رشد وجان جاك روسو وابن
سينا وجبران خليل جبران وتشارلز جوديير
والخوارزمي ومحمد الغزالي ... قائمة طويلة فيها آلاف الأسماء قدموا خدمات عظيمة
للعقل البشري وللعلوم وللبشرية كافة بضعة آلاف عظماء صمدوا في وجه البؤس والألم بوضعهم حجر الجوع على بطونهم عانوا ما عانوا
من شظف العيش في سبيل خدمة الحرف والكلمة والإنسانية ... وماذا قدم لهم العالم
ونحن وأنتم وجميعنا ؟ لا شيء ... ولذلك ما أتعس المفكرين والعلماء وما أعظمهم
ينيرون طريقكم وتنكرون فضلهم علموكم ولم تشكروهم أناروا لكم طريق ظلماتكم ولم
تمتنوا لهم بالفضل ... وكأن الفكر والعلم والثقافة أصبحت لعنة تصيب كل من يدخل عالمها فلا
أحد يقف مع المفكر ولا أحد يشعر بجوع المثقف ولا أحد يحفظ كرامة العالم ... فلو
التفت الأثرياء والأغنياء لهؤلاء العظماء لتغيرت النتائج ولو استفاقت الأمة من
جهلها وغبائها لتغيرت موازين الأرض وأقدارها ... فالحمدلله وحده سبحانه أنه يعلم
عن عباده ما لا يعلمه أحدا غيره وسبحان من وضع الأجر لكل حسرات وزفرات خرجت من
صدور عظماء أعطوا ولم يأخذوا ماتوا ولم يمشي في جنازتهم إلا بضع أفراد ... ولعن
الله دنياكم التي خلقتم فيها كاختبار وما أكثر الفاشلون في الإختبار وما أقل
الناجحون فيه ضيعكم الرياء والنفاق وحب المال واللهث على توافه الأمور وإنكار
عظائمها ولله الأمر من قبل ومن بعد ... ورحم الله عظماء البشرية ودهاة العقول
أحياء كانوا أو أمواتا ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم