لا أحد بالمطلق ونهائيا يستطيع أن يتحمل أيا من درجات الحرارة إلا ما تتناسب مع قوة درجات مقاومة جلد الإنسان ... بمعنى لو شعرت في البرد فإنك ستحتاج إلى التدفئة التي يحتاجها الجسم وليس أكثر وإلا لحدث خللا في مقاييس درجات الحرارة ما بين داخل وخارج الغرفة وبين احتياجات الجسم ... والطبيعة البشرية والعلم أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أن درجات الحرارة العالية أو درجات الحرارة المنخفضة جدا كلاهما قاتل للإنسان بنسبة 100% ... وفي مدركات ومقاييس العقل البشري أن كل ما هو مفاجأ يحدث صدمة والصدمة هي عبارة عن اضطراب يصيب العقل البشري لبضع دقائق أو بضع ثواني يحدث ارتباك شديد جدا في مدركات العقل لفهم واستيعاب الحدث ... وهي الحالات المعروفة في المفاجآت السعيدة والحزينة كمن يفاجئك بهدية سيارة فارهة أو بمبلغ ضخم أو ببيت جديد والنقيض كمن يحمل لك خبر وفاة قريب عزيز أو خسارة مالية كبيرة وصولا إلى فاجعة موت أو مقتل أحد أقربائك ... لكن في موضوعنا هذا نبحث عن حالة غريبة بل العلم الطبي والعلم الشرعي ولا حتى الأنثروبولوجيا لم يذهبوا إليها في عمق البحث فيها لشدة غرابتها وربما لصعوبة فهمها ... فلو انزلقت رجل رجلا في فوهة بركان وسقط وسط وفي بطن الحمم هل المنطق أن الرجل وقتها وفي حينها سيكون لديه عقل ؟ ... الإجابة التلقائية كلا وأبدا بل هو المستحيل بعينه ولماذا ؟ لأن من شدة وقوة درجة حرارة النار والحمم البركانية يغيب العقل البشري تلقائيا عن الواقع والإدراك بنسبة مليون% من شدة الألم والحرق ... بدليل أخر أن من رأيناهم يحرقون أنفسهم بمواد سريعة الإشتعال يركضون دون أن يعرفوا إلى أي اتجاه من شدة وقوة النار المشتعلة والتي تأكل جلد الإنسان وحرقه إلى أحد التصنيفات الثلاثة للحروق ... وهي الدرجة الأولى وهي شديدة الحروق والتي تعني أن الحرق تجاوز الطبقة الخارجية من الجلد ووصل إلى المنطقة الداخلية للجلد وملامسة الأوردة والشرايين واللحم البشري ... والدرجة الثانية هي متوسطة الحروق التي تتسبب بضرر بالطبقة الخارجية للجلد أما الدرجة الثالثة فهي الأقل ضررا لكن درجة تحتاج تلقائيا إلى الرعاية والمتابعة الطبية العالية ؟
حتى أبسط المسألة وأخرجها من الشرح العلمي والمنطقي إلى الواقع البسيط فإننا في الكويت تصل درجات الحرارة في فصل الصيف إلى أكثر من 65 درجة مئوية ... لكن الباحثين والعلماء قدروا درجة حرارة الشمس بأكثر من 15 مليــــــون درجة مئوية أي قوة حرارة = أكثر من 50 قنبلة نووية والتي = درجة حرارة الواحدة منها 300 ألف درجة مئوية ... ولكم أن تدركوا كم هي عظمة رحمة الله في خلقه "إنسان - حيوان - نبات" وكم هذا الإنسان تافه وضعيف وجاهل كثيرا لا يفقه ما يقول ... لكن لا أحد بالمطلق يعلم ولا أحد يعرف كم هي درجة حرارة جهنم وكل الأرقام والحسابات التي أعلنت وخرجت ما هي سوى اجتهادات للبعض لا يوجد عليها دليل مادي قطعي الثبوت ... لأن واقع جهنم ليس ماضي حتى تدركه بل مستقبل لا أحد يعلم عنه شيئا وهو أمر يندرج تحت قاعدة "الخارق للعادة" أي الشيء الذي ليس له تفسير علمي ولا منطقي ولا واقعي ... لكن من المؤكد أن من خلق قوة حرارة الشمس والتي لا تعادلها ولا تساويها أي حرارة ابتكرها أو طورها الإنسان لا شك أن الخالق عز وجل قد خبأ أو حجب قوة حرارة نار جهنم لتحدث عامل الصدمة والمفاجئة وعامل المباغتة ... ودون أدنى شك بأنها ستكون بشكل يستحيل أن يتصوره العقل البشري من قوة وشدة لتحدث حالة العقاب المناسبة لبعض عباد الله من الطغاة والمجرمين والعصاة والكافرين ... لكن الغريب في الأمر فعلا كيف بقوة درجات حرارة ونار لا يستوعبها العقل البشري من شدتها وهناك في وسط وفي قلب جهنم من يتحدث ويتذكر ويناقش ويأخذ ويعطي في الحديث !!! ... فإن كان الإنسان في الدنيا يغيب عقله أثناء الحرق ويفقد إدراكه الجزئي أو الكلي فكيف بنار جهنم التي بالتأكيد تحتوي على درجة حرارة تلقائيا أكبر من قوة حرارة الشمس بكثير جدا ... والسؤال الأخر ما هو خلق ملائكة جهنم بمعنى مما خلقوا حتى يتحملوا نار جهنم ويحرسونها ويراقبون أهلها وعلى رأسهم سيد ملائكة جهنم "مالك" وهو خازن النار ... ولماذا يوجد طعام لأهل النار أصلا بمعنى ما هي العملية العلمية في ذلك وأسبابها ... ولذلك سأعرج معكم على الحالة الغريبة التي لا أحد استطاع فهمها ولا حتى تحليلها ونحن هنا نريد أن نفهم هذه الحالة كيف ثم كيف وكيف باجتهاد لربما اكتشفنا شيئا لم يسبقنا أحد من قبل وربما سبقنا ولم نعرف ؟
ثياب أهل النار
سورة الحج { فالذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤسهم الحميم } ؟
شراب أهل النار
سورة إبراهيم { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه } ... وفي سورة محمد { وسقوا ماءاً حميماً فقطع أمعائهم } ... وفي سورة الكهف { إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا } ؟
طعام أهل النار
سورة الدخان { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم } ... وفي سورة الصافات { أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون } ... وفي سورة الغاشية { ليس لهم طعام إلاً من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع } ؟
فُرش أهل النار
في سورة الأعراف { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } ؟
طعام !!! شراب !!! فراش !!! ثياب !!! وما حاجة أهل النار بكل هذا إن كان العذاب قائما والكل عاريا والكل في العذاب المهين ؟ ... ثم كيف كل هذه القوة المرعبة من حرارة النار ويتحدث أهل جهنم بعقولهم وألسنتهم وليس هذا فحسب بل تخيلوا أنهم يتجادلون يتعاتبون هذا يرمي اللوم على الآخر أي يتخاصمون !!! إذن أين العذاب ؟ ... سورة الأعراف { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } نادى !!! أي العقل في إدراكه وفي وعيه ويعرف ما يقول بدليل عرف أهل جهنم موضع ومكان أهل الجنة فخاطبوهم مباشرة دون وسيط !!! ... وفي سورة الأعراف { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار } ... وفي سورة الأحزاب { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا } ... وفي سورة غافر { وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار } ... وفي سورة الشعراء { قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين } ؟
إذن نخرج باستنتاج أن جهنم هي حياة أي مأكل وملبس ومشرب وفراش وحديث وجدال وأمما من مئات الملايين والمليارات ... ولتذهب عقولنا أن هناك فنونا للعذاب تكمن أن هناك وقتا للعذاب ووقتا للجدال وإلقاء التهم والتخاصم ... وأما قوله سبحانه في سورة البقرة { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون } فإن الإنسان يستحيل أن يصل إليه العقل والإدراك وانتقاء مفردات التخاصم واللوم إلا بشرط أن العذاب يتوقف للحظة للحضات ولوقت لا نعلمه تحديدا ... وبمعنى أكثر دقة أنه يمكن أن يتوقف العذاب لكن وأنت أمام جهنم مثل من يخرجك من وسط نار البراكين لكن لا ينجدك ولا ينقذك ولا يداويك ولا يسعفك فقط يخرجك ويضعك بالقرب منها مباشرة أي تخرج من العذاب لوقت ثم تعود إليه مرة أخرى بألم كأنك أول مرة تكتوي منه ... فيحدث ذلك دمارا نفسيا شديد الألم والقسوة يضاف إلى ألم الذل والمهانة وألم حريق النار فتجتمع كافة أشكال وأنواع الألم ... ويتضارب ما بين الحقد والكره والتمني للغير بمزيدا من العذاب مع عدم استبعاد حتى السباب والشتائم بين أهل النار ... ودون أدنى شك أن وجود الإنسان على أعتاب جهنم لهو العذاب بعينه ورؤية ملائكة جهنم لهو التحطيم والدمار النفسي بأقصى درجاته وأشدها تأثيرا وسماع صراخ الأخرين يضاف إلى تفتيت النفس البشرية كليا ... وبالتالي يكتمل مثلث الرعب والألم الجسدي والتحطيم النفسي اكتمالا لا ينقص منه شيئا وهو مثلث : العقل والنفسية والحرارة ... وأن مثلما هناك مجتمع سيكون في الجنة فأيضا هناك مجتمعا سيكون في جهنم وأن عامل الوقت الذي اخترعه وصممه الإنسان لنفسه في الدنيا لن يكون له أثرا ولا وجودا في الآخرة ... بمعنى "الوقت - اليوم" لا وجود له نهائيا في الآخرة لأن حساب الآخرة يختلف كليا وتماما عن حساب الدنيا لأنها ستكون حياة الآخرة وحياة الآخرة هي حياة الخلود لا يعرف فيها الإنسان مرض ولا موت ولا شيخوخة ... ومن كان قلبه عامرا بحب الله وضميره طاهرا فلا يخاف من هذا الموضوع ولا يتوجس منه لأن وعد الله حق والله إن قال فعل وإذا وعد صدق ... فليبشر وليطمئن المؤمنين فهم في حفظ الله ورعايته في الدنيا والآخرة ولينتظر المجرمين والطغاة والظالمين وعدهم يوم القيامة فإن لهم ما لا يخطر على بالهم ولا تتصوره عقولهم ... { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثُوِّبَ الكفار ما كانوا يفعلون } المطففين ... وتلك من معجزات الخالق عز وجل أن نقل إلينا أقوال أهل الجنة وأهل النار في وقت لم يحن بعد ولم نسمعهم ولم نراهم بأعيننا وبأذاننا لكن حقا على الله أن يرينا ويسمعنا كل تلك الأقوال يقينا لا يقبل الشك أو اللبس فما أعظم ربنا وما أعظم معجزاته سبحانه وتعالى ؟
نستخلص مما سبق أن هناك حياة خالدة كاملة في الجنة والنار تنظمها قوانين سماوية ربانية مطلقة الدقة والحزم بتشريعات خالدة لا جدال فيها ولا تعديل عليها ... ففي الجنة النعيم والسلام والأمان الخالد وفي النار سجن للأوغاد والأشرار لتنتهي للأبد شرور الإنسان في حياة أعدّها العدل سبحانه ومحكمة ربانية لم ولن تظلم أحدا قط ... والجنة والنار كالكوكبين أي حياة ومجتمع وتنظيمات يعيشان على النقض والنقيض خالدين من يعيشون فيها بين نعيم لا حد ولا منتهى له وبين جحيم لا حد ولا منتهى له ... فإن كان البشر في دنياهم وكّلوا أمرهم للإنسان ولقوانينهم الوضعية ففي الآخرة الأمر كله لرب السماوات والأرض ملك الملوك وجبار الجبارة ورب كل شيء هو سبحانه ولا أحد سواه أعدل العادلين وأرحم الراحمين وأعظم من حكم على الإطلاق سبحانه وتعالى وما نحن سوى عبيد له سبحانه ... فما أضعفك يا ابن آدم وما أتفه طموحك وما أكثر حماقاتك ظننت أنك عظيم وما أنت بذلك وظننت أنك شيئا وربك خلقك ولم تكن شيئا كما وصفكم ربكم في سورة مريم { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } ... ولا يزال الموت هو أعظم درس لم يتعلم منه الإنسان شيئا ولا يزال أكبر معلم عرفته البشرية كافة هو القرآن الكريم ولم ينتصح منه إلا القليل ... وصدق من قال : كفى بالقرآن ناصحا وكفى بالموت واعظا ... وهذا لا يعني أن لا نعيش ولا نضحك ولا نحب ولا نعشق ولا ولا ولا كلا وأبدا فلو أحصيتم محرمات ربكم ستكتشفون أنها بضع محرمات لا تتجاوز الـ 20 والباقي معاملات وأخلاق مقابل ملايين ما أحله ربنا لنا في حياتنا ... بل خلقنا حتى نخطأ ونتعلم نذنب ونستغفر ولو أن أحدا لم يذنب فما حاجتنا بالإستغفار لربنا وحبيبنا وخالقنا سبحانه الكل يخطئ والكل يذنب ولأنا بشر فهذا يعني أننا لسنا معصومين ولن نكون كذلك ... فما أشقاك يا ابن آدم وكم تجلب على نفسك البلاء بحماقتك وغرورك الأعمى ؟
دمتم بود ...