2024-01-13

ماضي وحاضر .. العنصرية ؟

 

العنصرية هو تمييز بشري بين الطوائف والأعراق وفصل فئة مجتمعية عن أخرى وتفضيل فئة مجتمعية على أخرى ... والعنصرية في حقيقتها هي عادة بشرية لا أحد يعرف متى خرجت ومن استحدثها بالمطلق لا أحد يعرف ... لكن من الثابت من السيرة البشرية في عميق التاريخ ومن خلال الكتب السماوية والأثار الأحفورية والجدارية القديمة فإنها لا تقل عن 6.000 سنة قبل الميلاد ... والعنصرية ارتبطت ارتباطا وثيقا مُسلما به بالمطلق مع العبودية والعبودية خرجت تلقائيا في التصنيف البشري لتقسيم درجات الرعية أو الشعب في كل تاريخ الأمم والشعوب في التاريخ البشري ... وتقسيم الرعية يختلف من منطقة إلى أخرى وليس حتى من شعب لأخر ... ففهي أوروبا هناك طبقات خاصة بهم وفي جزيرة العرب هناك طبقات خاصة بهم وفي شرق أسيا هناك طبقات خاصة بهم ... ورغم تشابههم الكبير جدا إلا أن واقع اليوم هو امتداد لماضي الأمس "وأنا على يقين مطلق أن حاضر اليوم سيجبر للعودة إلى الماضي القديم" بفعل الظروف التي ستتغير بشكل خرافي وهذا ما شرحته في موضوع مطول على هذه المدونة ... والإنسان العنصري مهما قرأ وتثقف ومهما حصل على الشهادات يبقى كدواب الأرض وكأن الله ما خلق له عقلا ؟

في الماضي كانت هناك جبهة صامدة بل وجبارة من المجتمعات والشعوب في أصقاع الأرض لعدم اختلال موازين الطبيعة "حسبما يعتقدون" ... نعم موازين الطبيعة هم هكذا كانوا يطلقون عليها وينادون بها بمعنى كل السلالات البشرية السابقة كان هناك عبيد وخدم وجواري وسبايا وطبقات مجتمعية ... أي لا يختلط العبد بالسيد ولا يختلط الرعاع من الرعية بالأثرياء والنبلاء ولا يختلط النبلاء والأثرياء بالأسر الحاكمة ... ولا تختلط قيادات الجيش والشرطة مهما بلغت انتصاراتهم وإنجازاتهم بعلية القوم ... وصناعة الطبقات هذه بفضلها استمرت سلالات حاكمة لـ 300 و 500 و 1.000 سنة وأكثر من الحكم لأسرة حكم واحدة ... أي أن من مصلحة الحاكم كي يحافظ على سلالته أن يضبط توازن وموازين تلك الطبقات المجتمعية ولا يسمح بتجاوز طبقة على أخرى وإلا فالقتل أو الإعدام مصير مؤكد لا يقبل حتى التفكير في الأمر ... وفي نفس الوقت تلك الطبقات منحت للحاكم مساحة وأريحية كبيرة جدا بالتلاعب في تلك الطبقات المجتمعية ... ومن المهم في هذا السياق أن الفت عنايتكم بأن كانت هناك 4 شخصيات لعبت دورا خُرافيا في التاريخ البشري دون النظر مطلقا للشعب أو الكيان أو الدولة على وجه الأرض وهم "تاجر النساء والدعارة - تاجر العبيد - تاجر الربـــا - تاجر الخمور" ... وهؤلاء بحكم مهنهم ذات التاريخ الأزلي ملكوا نفوذا ليس مرعبا فحسب بل لا أحد يجرؤ على المساس بهم بسبب أخطبوطية علاقاتهم من قصور الحكم وكبار التجار وأعيان البلاد ... لأنهم ببساطة كانوا يقدمون أفخر بضائعهم وأنقاها جودة وأكثرها حمالا للأسرة الحاكمة وكبار التجار كأول عرض وتقديم لهم ومن ثم تعرض البضائع والعبيد والنساء على العوام ؟

عنصرية اليوم هو امتداد لعنصرية الأمس بمسميات مختلفة ومبررات لا تعرف لها حد ... ومن هذه الهرطقات خرج مصطلح "المؤسسين" أي أول من أسس الدولة وهذا بكل تأكيد كذب وتدليس والتفاف على الواقع ... فالأرض عمّرها الإنسان والدولة أصبحت دولة بفعل الهجرات البشرية من 10 منازل إلى 100 منزل إلى قرية إلى مدينة ثم كيان أمة يقودهم حاكم وسياسة داخلية وخارجية بفضل 10 منازل كانت هي البداية ... وعلى سبيل المثال الراحل اللبناني "مسعود النشبي الفخري" هو أول عربي من بلاد الشام في التاريخ يصل إلى استراليا في 1854 فهل هو مؤسس استراليا أو مكتشفها أو هو وكيلها الحصري لدى أمة العرب !!! ... الأرض + البشر = هجرات حتى قيام الساعة وابحثوا كم نبي ورسول هاجر من أرضه  ... ونتيجة لتوارث الأجيال والهجرات في عملية تنوعت ما بين الزيادة البشرية بسبب الأمان وازدهار التجارة في البلاد وما بين النقص البشري بسبب الحروب والغزوات والفقر وطغيان السلطان ... وأي خلل يقع في الدولة فإن المتسبب الأول فيه هو الحاكم بذاته ومن ثم تتسلل الأسباب إلى الوزراء والتجار وصولا حتى إلى الرعية بذاتها ... والخلل أنواع منها "التركيبة السكانية - مستوى الأمان - مستوى التجارة - مستوى العدل - مستوى القانون - صراعات داخلية" ... كلها كانت قائمة منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا وسوف تستمر لأنها ببساطة هي القواعد البشرية التي من خلالها تنموا الدولة أو تنكمش يستمر الحاكم أو يسقط تتوسع الدولة أو يبتلعها الجار تسود السلطة أو تبتلعها كتب التاريخ وتصبح من الماضي ... وبالتالي العنصرية هي عادة بشرية منذ آلاف السنين وليست وليدة اليوم حتى ولو تعارضت مع النصوص القرآنية والإنجيلية والتوراتية ستبقى وستستمر ... رغم أن الكتب السماوية لم تُحرّم العبودية بأفرعها "العبيد - الجواري - السبايا" بل شرعتها بتنظيم كل أمة بما يناسبها ... { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبـــد بالعبـــد والأنثى بالأنثى } البقرة ... { وأما ذلك العبـــــد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيرا } إنجيل لوقا 12-47 ... { أيها العبيــــد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح } إصحاح السادس 5-9 ؟

عنصرية العرب 

العرب وما أدراك ما العرب حالهم كحال الأمم وشعوب الأرض قديما وحديثا ... لكني سأبالغ وأقول لكم أن العنصرية لم يكن لها وجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في عهد الخلفاء الراشدين "عديها طوفها مشيها" ... لكن في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية من يقول لكم لم تكن هناك عنصرية فهو "كاذب ثم كذاب ثم كذاب" ... ولو كلفت نفسك بالبحث في عميق الشعوب العربية في كل الأوطان بكل تأكيد ستشاهد صراع الطبقات المجتمعية واقع لا يقبل الشك ... بمعنى حتى بين أبناء الوطن الواحد هناك عنصرية وفوقية وتعالي فيما بينهم هذا على ذاك وذاك على هذا وكل يفضل نفسه على الأخر ... "بدوي - قبلي - حضري - سني - شيعي - جاهل - متعلم - أبيض - أسود - أصيل - غير أصيل - متى تجنس - عمل والده - من أي أرض قدم إلينا" وغيرها ... مثل الفوقية والمعايرة بين الشعوب العربية كل يرى نفسه أعلى مستوى وقيمة هذا بالمال وذاك بالتاريخ ... وفشلت القوانين والدساتير أن تساوي بين الرعية وهذا أمرا جدا بديهيا فإن كان دينكم فشل معكم فأي غباء حتى تعتقد أن القوانين الوضعية ستضبط إيقاع العنصرية ... مثل العرب يتفاخرون بالصحابي والخليفة الفاروق "عمر ابن الخطاب" لكن لا أحد يأتي بسيرة أخيه "زيد ابن الخطاب" وهو أكبر من عمر وأسلم قبل عمر ... أي هناك عنصرية دينية وتفاضل عقائدي في قلب كل مذهب إسلامي أيضا ... والإنقلاب العباسي على الأمويين لا يمت للدين الإسلامي ولا حتى بـ 1% من هول الجرائم والفظائع التي ارتكبت إنما هي ثورة ذات نزعة من نزعات جاهلية العرب ... يا سادة البشر لا أحد يستطيع أن يقهرهم ويضبطهم طول الزمان وربما حقبات زمنية ببضعة سنين صحيح لكن للأبد مستحيل فهذا الأمر بيد ربكم سبحانه وتعالى وحده لا شريك له وسبحان الرحمن الصابر والحليم على عباده ؟



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم