الدولة
العميقة هو مصطلح سياسي شائع أصبح متداول كثيرا في العلوم السياسية والطبقات
الاجتماعية العليا وقد بدأ من نفوذ "سياسي اقتصادي" ثم تطور فأصبح اليوم
نفوذ "سياسي اقتصادي عسكري" ... وقد أشار بعض الباحثين والصحفيين إلى أن
مصطلح "الدولة العميقة" قد ظهر في تسعينات القرن الماضي وتحديدا في
تركيا وهذا ليس صحيحا بالتأكيد ... فالدولة العميقة قد ولدت ونشأت وتكونت عمدا أو
عن غير عمد في فترة الحكم العثماني وتحديدا في النصف الثاني من حياة الحكم الخلافة
الإسلامية العثمانية ... وأزعم أن هذه الفترة أي النصف الثاني هي نفس الفترة التي
ظهرت وولدت فيها الإمبراطورية البريطانية ودون أدنى شك أن الإمبراطورية البريطانية
قد أخذت وتعلمت من الحكم العثماني الشيء الكثير وأيضا الخلافة العثمانية تلقت دروس
وصفعات من الإمبراطورية البريطانية ... ومن سابع المستحيلات أن تحدث كل هذه
الصراعات إلى جانب صراع الإمبراطورية الروسية مع الخلافة العثمانية مع
"ليونـــة" الإمبراطورية الألمانية مع العثمانيين دون أن تكون هناك
مدارس سياسية ... أو إن أردتم فهمها لنعتبرها "ضوابط سياسية" ضمن قواعد
اللعبة السياسية الدولية وهذا يستحيل أن يحدث إلا بوجود رصد وتابعة وقراءة سياسية
لفهم كل طرف للأخر بمعنى فهم نظام الحكم وكيف تكوينه وتركيبته ونقاط القوة والضعف
فيه ... ونقاط الضعف والقوة في نظام الحكم هو الأساس فهل يمتلك مقومات
"الدولة العميقة" أي كل نظام حكم كم خط دفاع يمتلك لنفسه ومن هم ومدى
قوتهم ومدى ضعفهم ... أي تشكلت خطوط الدولة العميقة ما بين 1600 إلى 1700 ثم بعدها
بدأ تشكيل الدولة العميقة فعليا وعمليا بتنظيمات سرية ذات قوة اقتصادية مرعبة
"آنذاك" طوّعت الإرادة السياسية بل وأركعتها تحت أقدامها ... بدليل كتب الأسكتلندي "جيمس أندرسون" أول دستور للماسونية
العالمية في سنة 1723 ...
ومن هنا بدأت أول صناعة "الدولة العميقة" أي دولة سرية تحكم دولة علنية
وتتحكم في قراراتها الاقتصادية والسياسية ومن خلالها تصنع من "بيادق
الشطرنج" على الساحة العامة "السياسية الاقتصادية الاجتماعية الدينية
والإعلامية" ويتم التحكم بهم كيفما ووقتما أرادوا ... ومن قواعد اللعبة قديما
أن الخاسر يقتل ولا خروج من قواعد اللعبة حتى الممات لا تقاعد ولا نجاة ولا مفر
ومركز اللعبة هي الديموقراطية فتنشأ أحزاب وتسقط أحزاب ويصعد رئيس ويسقط رئيس
وهكذا ... ولأن سرد تاريخ مثل هذا سيكون طويلا فإني أنتقل بكم من الزمن القديم إلى
الحديث ؟
هناك
أنظمة حكم لا يمكن إسقاطها من الداخل لدرجة المستحيل بسبب قوة نظام حكمها التي
تستند على الدكتاتورية الطاغية التي تقتل وتنتهك كل الحقوق الإنسانية والبشرية
والأخلاقية بلا حساب ... وهذه الأنظمة المجرمة لا تسقط إلا من الخارج أي بحرب
علنية وفي العادة لا تكون هذه الحروب إلا طاحنة ترجع الدولة لـ 30 سنة إلى الوراء
مثل "الصين وسوريا" وغيرها التي لا تزال أنظمة حكمها مستمرة لم تسقط
وهناك من سقط مثل "العراق وألمانيا" ... وسبب سقوط بعضها وعدم سقوط
بعضها راجع لسبب واحد وهي أنها أنظمة حكم عسكرية 100% وإن صنعت واجهة الحكم
الديمقراطي الكاذب ... وفي الجهة الأخرى هناك أنظمة حكم أيضا ديمقراطية عمقها تحت
سلطة الحكم العسكري أي أنها ديمقراطية شكلا فقط مثل "مصر وإيران والسودان
والجزائر وزيمبابوي وغينيا" وغيرها ... أي
هناك شكلين من أنظمة الحكم التي اعتمدت على الدولة العميقة في الحكم "السياسة والإقتصادية
والعسكرية" ويبقى لدينا النوع الثالث وهي الدول ذات حكم الفرد الواحد مثل
"مشيخة دول الخليج" وهي دول تعتمد في دولتها العميقة على "السياسة
والإقتصاد" فقط لأنها لا تمتلك أي قوة عسكرية جديرة بالذكر وتعتمد كليا على
أمنها "الخارجي" عبر الخضوع الكامل للخارج ... وبالمناسبة دول الخليج
كلها لا تمتلك أي قاعدة من قواعد "الدولة العميقة" وكل ما يشاع عن ذلك
ما هي إلا ترهات لأنها دول أقل بكثير جدا من أن تنشأ أي دولة عميقة والسبب أنها
دولا تسير بلا منهج سياسي وسياساتها تعتمد كليا على من يحكم وليس من سيحكم ... أما
النوع الرابع فهي الديموقراطيات العريقة مثل "بريطانيا وألمانيا وأمريكا
وكوريا الجنوبية واليابان" وغيرها فهي أفضل دول تمتلك أدوات "الدولة
العميقة" ودقة استمراريتها ناتج عن دقة ضبط إيقاع وميزان الدولة العميقة ...
لأنها دول تستغل ضرائب المواطنين في استمرارية تقدمها وهي دول فريسة "السياسة
والإعلام والمجتمع" لكن في القرارات الكبيرة يتم تطويع الإعلام والسياسة
لتحقيق أهداف ومتطلبات الدولة العميقة ... كما حدث في حرب "العراق وأفغانستان
وفيتنام وعقوبات إيران" وفرض وجود الكيان الصهيوني المحتل وغيرها عندما ضربت قرارات
الأمم المتحدة بعرض الحائط واستمر تنفيذ المخططات على الرغم من كم المظاهرات وحجم
المعارضة لكن الأمر تم بالفعل ؟
الكويت
والدولة العميقة
لا
يوجد في الكويت أية دولة عميقة لا من قريب ولا من بعيد ومن يتصور عكس ذلك فهو لا
يقرأ جيدا ولا يعرف الكويت جيدا فطبيعة نظام لحكم في الكويت أن كل من يحكم يأتي
بفريق عمله "سياسي اقتصادي اجتماعي" ... ولأنشط ذاكرتكم فقد كان لأمير
الكويت الشيخ "جابر الأحمد الصباح" والشيخ "سعد العبدالله
الصباح" رجالهم السياسيين والإقتصاديين في وقتهم وزمانهم صالوا وجالوا وكان
نفوذهم أخطبوطيا فأين هم الأن ؟ ... انتهوا وذهبوا بذهاب أسيادهم أو رؤسائهم بعد
أقل من سنة من وفاة الشيخين وقبلهم الشيخ "صباح السالم" والشيخ عبدالله
السالم" كل منهم كان لديه فريق عمله وبموت الحاكم ينتهي مشهد فريق عمله بنسبة
100% ... وحتى حاكم الكويت الحالي سمو الأمير / صباح الأحمد الصباح "بارك
الله في عمر سموه" بعد رحيله سينتهي دور فريق عمله وستختفي كل الوجوه التي
تشاهدونها في أيامكم هذه ... هل ما أتحدث عنه هو أمرا عظيما وسرا كبيرا من أسرار
الدولة العليا ؟ بالتأكيد كلا بل هو تاريخ وعرف متعارف عليه بشكل طبيعي جدا ... وحدث
هذا الأمر في كل مشيخة دول الخليج "مات الحاكم انتهى فريق الحاكم" انتهى
الأمر بل في كل نظام حكم في التاريخ الحديث حدث ويحدث وسيحدث نفس هذا الأمر ...
إذن في الكويت لا أصل لوجود أي شكل من أشكال الدولة العميقة وإذا أردنا أن نقرأ
شكل تنوع الترابط وحجم السيطرة فالأمر لا يعدو كونه علاقة مصالح ... وبالمناسبة هم
يعرفون ذلك أكثر من جيد علاقة مصالح بسبب المنصب ولا شيء غير المنصب وكرسيه ومتى
ما سقطت من كرسيك فقد انتهى دورك السياسي وانتهى دور كل من معك ... والدولة
العميقة لها وجود في أوروبا وأمريكا وبعض دول شرق أسيا وبعض الدول العربية لكن لا
توجد أي دولة عميقة لا في الكويت ولا في كل دول الخليج إنما هي لعبة مصالح وفترة
مناصب عليا لا أكثر ولا أقل ؟
دمتم
بود ...
وسعوا
صدوركم