2013-12-20

رضت الناس بعقولها وما رضت بأرزاقها ؟



من عجائب بني آدم والبشر بأن غالبيتهم العظمى أو السواد الأعظم منهم مقتنع بفكره وبرأيه ... وأصعب مرحلة يمكن أن تواجه الإنسان في حياته هي مرحلة ما بعد عمر الـ40 ... في هذا العمر وما فوق يكون العقل قد اكتمل نموه ونادر إذا ما قام بالتغيير ... بمعنى أنه بالإمكان بأن تتناقش مع فتى في سن المراهقة وتقنعه ويمكن أن تتحاور مع رجل بالعشرينات من عمره وتجادله ويمكن أن يحتد النقاش مع رجل في الثلاثينات في عملية الإقناع والإقتناع ... لكن من الصعب جدا أن تقنع رجل أو امرأة في سن الأربعين ... وهذا العمر إقناعه يتم عن طريق العقل والمنطق وليس عن طريق وجهات النظر القائمة على الاحتمالات والفلسفة الفكرية التي تستهلك الكثير من الجهد والطاقات العقلية دون واقع يقطع الشك باليقين فيها ... فإما أن تأتيه بالواقع والحقائق والفرضيات المبنية على ماضي مدعم بالأدلة والبراهين الواقعية وإلا لن يستمع لك ولن يقتنع بك ؟



يقول تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) الأحقاف : 15




هذا دليل قرآني إلهي بالنمو الكامل والتام للإنسان في سن الأربعين فيصبح ناضجا كاملا ويفترض أن يكون عاقلا وحكيما ... بدليل نزول الوحي الكريم والرسالة الكريمة على أشرف وأطهر خلق الله محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - في عمر الـ40 عام ... كما أن الدراسات والأبحاث العلمية أظهرت أن النمو يستمر خلال الثلاثينات وحتى نهاية سن الأربعين من عمر الإنسان ... وأهم منطقة وأكثرها استمراراً في النمو هي منطقة الناصية ... الجزء من أعلى ومقدم الدماغ والعقل ... وهذه الحقيقة العلمية لم يتم اكتشافها إلا في أواخر 2010م ؟



ما سبق لا يعني أن من هم أقل من الأربعين عام بأنهم جهلاء وسفهاء كلا وأبدا ... لكن الإنسان وإلى أن يبلغ عمره أربعين عام ... قد مرت عليه قصص وحكايات ومواقف وخير وشر ومآسي وآلام وأفراح وقد قرأ وفهم وتعلم واستخلص العبر منها... فهذا كله يعتبر صقل وتعليم الأيام والزمان له حتى إذا ما وصل إلى سن الأربعين يكون قد كون لديه رصيد كبير من الحكمة وأرشيف ضخم من الأحداث والعبر تكون كالنور المضيء لسنواته القادمة بعناية ... ولاحظوا شخص تعرفونه جيدا هل هو عندما كان في سن العشرين ثم الـ30 ثم الـ40 هو هو لم يتغير ؟ طبيعي تغير وتغيرت عاداته أو بعضها وتطور تفكيره ... وليس بالضرورة أن يتغير إلى الأحسن حتى نحكم عليه بأنه حكيم أو سفيه ... لكن هناك عوامل أيضا مساعدة وفعالة في هذا النمو مثل ماضيه وبيئة تربيته وتكوين الشخصية مع الإختلاف الكلي إن كان ثريا أو فقيرا أو متوسط الحال ؟




والدي له كلمة لم أفهمها إلا بعد وقت طويل كان يقول :

اللي ما يعلمونه أهله يعلمه زمانه



فعلا الأيام والوقت يعلمون كائن من يكون ومهما يكون ... لذلك لا تتعبوا أنفسكم بالحوارات العقيمة مع من لا يريد أن يفهم ولا يريد أن يتعلم فيصبح حوار الطرشان لا أنت تسمعه ولا هو يسمعك فضاع الوقت بجهالة وبسفاهة ... وقد تكون أحمقا إذا تعمدت الحوار مع من لا يريد أن يفهم ولا يريد أن يستوعب من الأساس ... والحوار مع الوالدين يختلف مع الأبناء يختلف مع الأصدقاء يختلف مع العامة يختلف مع المجهـــول ؟




هكذا هم بني البشر لم يرضوا بأرزاقهم ورضوا بعقولهم وفكرهم فتجدهم متذمرين وبعضهم ناقمين وبعضهم متمنين ... وفي كل الأحوال ابن آدم يريد المزيد ولا يشبع ؟  



حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث ولا يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب ؟




انتبه فهناك أناس معرفتهم كنز من شدة حكمتهم وثقافتهم وطيب معدنهم ... ومثل هؤلاء أنت محظوظ إن جعلهم الكريم سبحانه في طريقك ... فتمسك بهم وتواضع لهم واصبر عليهم صبرا كبيرا فإنهم لن يعطوك العلم والحكمة بسهولة ... لأن بضاعتهم ثمينة وحكمتهم عظيمة لا ينالها إلا من يستحقونها ... وكلما تأدبت وصبرت نلت منهم الكثير من الحكمة والموعظة والعلم الوفير ... إنهم عقول تختصر لك مئات وآلاف الكتب وأجساد مزقها الزمان من شدة تقلبات فصوله وأحداثه وقلوب مشوهة من شدة تعرضها للغدر والخيانة ... فكم أنت محظوظ إن وصلت إلى أحد منهم أو وقعت يداك عليه ... وبالمناسبة هؤلاء هم بالعادة تجدهم فقراء وليسوا أثرياء ... فالأغنياء والأثرياء لا يملكون الحكمة بل يشترونها بأموالهم وحتى إن شروها لا يحسنون تطبيقها من شدة غبائهم ؟



هذه سنة الله وحكمته في خلقه ولله في خلقه شؤون



رضت الناس بعقولها وما رضت بأرزاقها ؟



دمتم بود ...



وسعوا صدوركم