2019-06-22

مشكلة الرأي في الكويت هل بسبب الشعب أم نظام الحكم ؟


من المفارقات العجيبة والغريبة في نفس الوقت أنك لو سردت التاريخ الكويتي قرائة وتحليل في الفكر السياسي لنظام الحكم أي الأمير وولي عهده ... سوف تكتشف أنهم الأكثر أفقا وبصيرة وسعة صدر أكثر من الرعية أنفسهم بكل توجهاتهم العقائدية والفكرية والثقافية ... وليس هذا فحسب بل بما أني من الباحثين في الشؤون الدولية والإقليمية والتاريخية ومن المتابعين لمجريات ما يحدث فإني أقولها وبفخر أن نظام الحكم في الكويت يعتبر هو الأكثر احترافية وبطلاقة في ممارسة الحكم عن كل أنظمة الحكم العربية على الإطلاق ... أي أن نظام الحكم في الكويت هو الأكثر استيعابا والأكثر رؤية بسبب احتضانه واستيعابه لتفرعات شعبية شديدة التعقيد فقد فهم اليساري واليميني والعروبي والشيوعي والإسلامي والليبرالي واستوعب صراع المذاهب وغيرهم ... كل هذه التوجهات الدينية والسياسية لا يمكن أن يتحملها أو حتى يستوعبها أي نظام حكم في دول الخليج قاطبة وبالمطلق ولذلك لا عجب أن يكون نظام الحكم في الكويت هو الأكثر استقرارا بين كل دول خليج ... بالرغم من خسارة الفكر السياسي الكويتي خارجيا في مواضع عديدة لكن يجب الإعتراف بل والإقرار بأنه نظام حكم شديد الذكاء في إدارة السياسة الداخلية في دولة محيطها جميعهم عمالقة المساحة وكلهم لطالما كانت الكويت تشكل مصدر إزعاج وأطماع ؟

مشكلة الرأي في الكويت لو بحثنا فيها بضمير وأمانة وبدقة تحليلية عميقة سوف نكتشف أن نظام الحكم والحكومة في الكويت لديهم قابلية الإستماع والجلوس والتحاور والمناقشة ... لكن الأطياف السياسية وحتى الشعبية لا يملكون هذه الفضيلة من سعة الصدر لأنهم جميعهم ولا أستثني أي تيار سياسي أو فكري أو شعبي كل منهم لديه هدف ويريد تحقيقه مهما كلف الأمر وإن فشل في تحقيق هدفه كل التهم والظنون والتشكيك لنظام الحكم والسلطة ... وهنا يقع الكثيرين في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه المعارضة الكويتية في 1938 عندما شطحت عقول بعض أبناء الكويت وطالبوا بضم الكويت إلى العراق ... هي الكذبة التي صدقها العراقيين أثناء غزوهم للكويت واعتبروا أن الكويت جزء من العراق ولم يكونوا يعلموا أن هذه المزاعم أصلها من الكويت ومعارضتها التي خانت وطنها وشعبها وقيادتها والتي تدين الكويت بالفضل الكبير لتصدي حاكم الكويت الراحل الشيخ / أحمد الجابر الصباح الذي أفشل وأبطل مؤامرة إسقاط الحكم ومنع ابتلاع الكويت ... تلك لم تكن مجرد آراء ورأيا وفكرا كلا أبدا بل كان مخطط إسقاط نظام الحكم بشكل مباشر قاطع لا يقبل أي شك ولا يحتمل حتى أي عذر للتفكير بمزاعمهم ومطالبهم ... ثم بعد وفاة الشيخ / أحمد الجابر الصباح جاء الشيخ / عبدالله السالم وحكم الكويت فتشكلت معارضة ضده وهذه المعارضة كانت بسبب قوة الدستور الكويتي الذي يضمن حرية الرأي ويمنع الحاكم من أي تسلط أو استبداد على الرعية ... وكان أمرا مفهوما بحكم أن الكويت وقتها تمارس ديمقراطية جديدة وفي عهد جديد وتم تعظيم فكرة الرأي في عقول البسطاء الذين غالبيتهم كانوا يجهلون إلى أين يسيرون ... بل طبخة الدستور كلها والديمقراطية بأصلها هي صناعة القلة من المواطنين وأبناء الأسرة ثم فرض الأمر على الشعب دون أي تصويت ودون أي تنوير ودون أي مشاركة شعبية ... بمعنى 20 شخص تقريبا صاغوا الدستور بناء على اتفاق بين بضع كبار التجار مع الحاكم ويا الله نسوي دستور والشعب كان في واد أخر بعيد عن هذه الطبخة بل تم استبعاد حتى تيارات سياسية آنذاك لعدم ثقتها ... فحدثت المراهقة السياسية وتم الطعن بالحكومة ورئيسها ووزرائها وهذا كان حدثا لم تألفه ولم تعهده الكويت بهذا الشكل فحدث الصدام داخل بيت الحكم وحدث الصدام بين السلطة وبين مجلس الأمة وفرض الشيخ / عبدالله السالم هيبة السلطة ووأد فتنة عظيمة كادت أن ترجع الكويت إلى شقاق 1938 لولا التفاف الشعب الكويت حول قيادته وإخلاص الكويتيين لوطنهم ولنظام الحكم ؟
 
في عهد سمو الشيخ الراحل / جابر الأحمد الصباح حدث أكبر صدام في تطور نوعي عندما شتم أحد الوزراء في مجلس 1985 في جلسة مجلس الأمة فوصلت الأمور إلى تحدي السلطة تحديا مجنونا ... فحل مجلس الأمة وتم تعليق الدستور وفرضت رقابة صارمة ووأدت الحريات في الكويت واستخدمت القبضة الأمنية بشكل مفرط ومارس جهاز أمن الدولة في الثمانينات أخطاء جسيمة ومارس تعذيبا ممنهجا ولأول مرة في تاريخ الكويت أغلقت الدواوين واقتحمت دواوين ... فعاش الكويتيين فترة عصيبة من قمع الحريات لدرجة إخراس الأفواه حتى جاء زلزال الغزو والذي أثبت أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وتغييب الرأي العام والشعبي أدى للتفرد بالقرار مما أنتج عن ذلك قراءات خاطئة ونرجسية نفسية لا مبرر لها ... فتحررت الكويت من الغزو العراقي الغاشم وعادت عجلة الديمقراطية من جديدة في مجلس 1992 وعاد معه فساد وتواطؤ وجهل أعضاء مجلس الأمة من جديد بل يعتبر مجلس 1992 هو أسوأ مجلس في كل تاريخ مجالس الأمة على الإطلاق ... ثم جاء حكم سمو الأمير الحالي الحبيب الغالي / صباح الأحمد الجابر الصباح والذي أيضا تعرض لمحاولات حثيثة لعزل نظام الحكم أو إضعافه ونزع الكثير من سلطاته ... وقد كانت مؤامرة منظمة استغفل فيها الأغبياء والسذج ولأول مرة في تاريخ الكويت السياسي نظام الحكم يستخدم القضاء ويحتكم إليه بشكل مباشر ومطلق في صراعه مع أبنائه الذين شطحت عقولهم وظن البعض أنهم هم نظام الحكم وهم السلطة وهم الشعب ... فانتفضنا مدافعين عن نظام الحكم وعن الكويت لأننا أدركنا أن ما يحدث لم يكن طبيعيا ولم تكن مجرد آراء طبيعية فالتف السواد الأعظم مع نظام الحكم ومع الحكومة ... بل حتى القضاء تم ضربه بصميمه والتشكيك به فوقفنا أيضا مع القضاء لأن المخطط بات واضحا تماما لمن كان في رأسه عقل أن الهدف لم يكن مجرد مطالبات بل مخطط ممنهجا لإضعاف وإسقاط مؤسسات الدولة ... ونجح سمو الأمير بأن يعبر بسفينة الكويت إلى بر الأمان كما فعل والده الراحل الشيخ / أحمد الجابر الصباح ... لكن نحن كمواطنين قد تضررنا كثيرا بسبب ما فعله من شطحت عقولهم وظنوا أن الكويت لا يوجد فيها وطنيين سواهم عندما شنوا حملات شديدة القذارة وعنيفة الإرهاب الفكري على مواقع التواصل الإجتماعي ... فلم يبقى أحدا لم يشتم ولم يبقى أحدا لم يطعن في شرفه ولم يبقى أحدا لم يجلب ماضيه ولم تسلم من الأوباش والأوغاد عرضا ولا شرفا إلا وخاضوا فيه ... فصدرت تشريعات تحجيم وإضعاف الحريات في الكويت واستخدم القانون والقضاء لمحاسبة هذا وهذه ... لنكتشف بعد أكثر من 50 سنة أن الثقافة الديمقراطية لدى السواد الأعظم من الشعب الكويت لا تزال عند 1% فقط ... فظن السفهاء أن الديمقراطية أن تشتم وتشكك وتطعن وتسب وممنوع على السلطة أن تحاسبه وحتى من شتمته ممنوع أن يقتص منك في ساحات القضاء ... لتتضح الصورة وتتأكد ملامحها أن نظام الحكم هو الأكثر استيعابا للآراء الشعبية والفكرية وأن الشعب نفسه هو الأكثر دكتاتورية فهذا يرفض فكر هذا وذاك يستنكر تصريح ذاك وهذا يريد إقصاء هذا وذاك يريد أن يدمر ذاك ؟

لا أحد وإلى يومنا هذا يريد أن يتقبل الرأي الأخر وتناسى الجميع ماذا كان يقال في تغريدات سفهاء الديمقراطية وتصريحات أعضاء مجلس الأمة التي كانت لا تخلوا من حديث الصبية المراهقين ... لتأتينا النتيجة أن نظام الحكم في الكويت والحكومة يستوعبونك فكريا ورأيا لكن هل أنت تستوعبهم فكرا ورأيا ؟ ... التاريخ يقول لك نعم هم يستوعبونك بل ويفهمونك لكنك أنت وأنتي لا تفهمونه ولا تستوعبونه لأن كل منكم يريد أن يأخذ الكويت باتجاه فكره وهدفه هو لكن نظام الحكم يريد أن يأخذ الكويت بأسرها إلى أفضل نقاط الأمان التي هو فقط من يراها ... فأنت وأنتي لديكم أسبابكم وأهدافكم قد تكون معقولة وقد تكون مفهومة وقد تكون سفيهة لكن نظام الحكم لديه أجهزته الداخلية والخارجية تضعه في صورة لا أنا ولا أنتم جميعها نستطيع الحكم عليها لأنها خافية ومخفية عنا ولذلك نحن نتحدث وفق منظور عام وإن خصصنا وتعمقنا في الأمور ... لكن وظيفة الحاكم والحكومة ترى أكثر وأبعد مما نرى وتعلم ما لا نعلمه وتعرف ما لا نعرفه وهذا سير وقدر كل نظام حكم في العالم بأسره وليس الأمر حصريا على الكويت فقط ... ولتشاهدوا ما تفعله الكثير من الدول العربية بحكم أننا دولة عربية لتعرفوا قيمة نعمة نظام الحكم لديكم ونعمة الحكومة وإن كانت لا تلبي رغبات طموحنا وإن كنا نملك قدرات خرافية شديدة التطور أكبر حتى من قدرات حكومتنا لكن في الشأن السياسي للأمر رأيا أخر وتوجها أخر ... فأصلحوا من شأنكم أولا تصلح لكم حكوماتكم القادمة هذا إن كنتم أصلا تنشدون الإصلاح والرعب والخوف على وطنكم كحال الكثير من المخلصين من أبناء وطنكم ... كن أنت قائد نفسك ولا تكن خادما لدى الغير كنت أمينا على وطنك كأمانتك على شرف ابنتك وكن مخلصا لأرضك وعرضك كإخلاصك لدينك ولربك والخيانة لا تتجزأ والتبرير لن يقنع ربك لأنه هو سبحانه يعلم ما تخفيه الأنفس ويعلم نواياكم سبحانه ... اقرؤا تاريخكم فقد سحقت الكويت كل غوغائيتكم وبقيت الكويت صامدة وبقي نظام حكم يحقق مكاسب شعبة باهرة وبقي الوطنيين على مر الأزمان كانوا هم الرقم الصعب في كل وأي معادلة لم يفهمها مراهقين الحرية والديمقراطية ؟

مشكلتكم أنكم لا تعرفون حجمكم جيدا





دمتم بود ...


وسعوا صدوركم