2021-04-01

أنظمة الحكم ... والخونــــة ؟

 

في التاريخ القديم والحديث عندما تقرأ وتحلل أسباب سقوط الحاكم كفردا ثم يأتي أخيه أو ابنه ليحكم بدلا عنه أو عندما يسقط نظام الحكم بأكمله وتتشتت الأسرة الحاكمة في أصقاع الأرض ... كلها أسباب متفرقة ومتنوعة تصب جميعها في الحاكم نفسه أو في بطانته أي من حوله ليعطيك البحث والتحليل دقة أماكن الخلل والخطأ في الحكم والذي أدى إلى سقوطه وانهياره ... والغريب في البحث في أسباب سقوط أنظمة الحكم هي أن الشعوب كانت أخطر وأهم لاعب في هذه العملية وفي نفس الوقت كانت دائما كان يتم تحقير هذا اللاعب والإستهانة بقوته ... فكان الثمن دائما باهظا وفي نفس الوقت كل حاكم وكل أسرة حكم كانت تتذكر الشعب لكن في التوقيت الخاطئ وكأن الأقدار كانت تعميهم عن فهم تلك القوة الخرافية ... مع ان تلك القوة الخرافية المتمثلة بالشعب سهل امتلاكها وسهل صناعة الحب الحقيقي بينها وبين الحكام لكن الحكام أنفسهم لا يفهمون الحقيقة على أرض الواقع ... فيُخـيّـل لهم أن الشعب يهيم بهم حبا وعشقا وتلك القناعة المزيفة مصدرها المنافين والخونة الذين ببضع دنانير يمكن أن يبيعوا الحاكم وأسرته لا بل يبيعون الوطن والشعب بأسره ... وأعيد وأكرر بأن مسالة امتلاك حب الرعية الحقيقي سهل للغاية ويساعد في ذلك وبشكل مدهش عامل الدين والشريعة الإسلامية ... فماذا تريد أي رعية من حاكمها إلا العدل والمساواة وبسط الحق بين العامة ورؤية الفاسدين في السجون والخونة معلقين على المشانق أو بضرب السيوف ... واسأل نفسك لماذا الخليفة الأموي "عمر ابن عبدالعزيز الأموي القرشي" إسمه مخلدا منذ أكثر من 1300 سنة وحتى يومنا هذا إلا أن عدله كان أعجوبة في زمانه ... ولا تتعلل بالظرف والزمان فلكل ظرف أعداءه ولكل زمان قوى إقليمية مستبدة ؟ 

قد يتوهم في عقل الكثيرين منكم أن هناك فرق بين "الخــــائن" وبين "المنــــافق" وهذا خطأ كبير جدا ... لأن الحقيقة هي أنه لا يوجد فرق ولا 1% بين "الخائن والمنافق" فكلاهما يكذبون بصدق ويخونون بصدق ويدلون برأي خبيث وكلاهما ملعونين في الدنيا والأخرة ... ولذلك خاصية البشر المنافقين والخونة متوفرة بكثرة ومنتشرة بكثرة بين الأوساط الاجتماعية سواء في القبيلة أو العائلة أو العمل أو التجارة أو في قصور الحكم وصولا إلى محيط الحاكم نفسه ... وحتى تعرف بدقة من هو المنافق بالفطرة والخائن الذي تسيره أحقاده والفرق بين من هو على سجيته المنافقة يتحدد ذلك من خلال شكل ونوع رأيه وفكره فهل يأتيك بخير لك أو يدس السم في العسل ؟ ... وهل رأيه مستندا على منفعة للعامة بشكل عام أم ضررا للعامة ومنفعة للحاكم ؟ أو منفعة للحاكم لتعزيز جهله أو ظلمه حتى يشيع الكره والحقد في صدور العامة عليه ؟ ... اما مسألة إظهار "الحب الكاذب" للحاكم فهي مسألة سهلة للغاية ولا تحتاج إلى عبقرية حتى نحللها فباختصار المسألة تحددها نسبة وعي من جهل الشعب نفسه ... فإن كانت نسبة الجهل أعلى سهُلت مهمة حب الشعب للحاكم وإن كان الشعب واعيا مثقفا صعبت تلك المهمة ومصدر الصعوبة هي العقل أي عليك بإثبات حبك الحقيقي للشعب الواعي حتى يدين لك بالمحبة الحقيقية والولاء الحقيقي ... فالتاريخ لا يخبرنا إلا بحقيقة واحدة وهي أن الشعوب نادرا ونادرا جدا ما تنعمت بحكم حاكم وبخيراتها فأكثر من 300 حاكم وخليفة للمسلمين حكموا بحكم السيف والقوة والقسوة والفساد ... فلا دوام لإنسان ولا حاكما دائما ولا أسرة حكم مخلدة وانظر إلى آل البيت عليهم الصلاة والسلام كيف حالهم اليوم أليسوا مشتتين في أصقاع الأرض في الدول العربية والأوروبية وأمريكا وغيرها ... وأين نسل العباسيين ونسل الأمويين ونسل فاروق ملك مصر ونسل العثمانيين ونسل ونسل ونسل أليس في ذلك آية وعبرة من ربكم سبحانه أم الأمر ترونه قدرة وقوة وسيطرة من الحاكم أو أسرته أو نظامه !!! 

كل ما سبق كانت كلمات تعبر عن تحليل سريع لأسباب سقوط أنظمة الحكم في التاريخ القديم والحديث ... والذي أثبت التاريخ أن القبضة الأمنية والقسوة والفساد وسرقات مقدرات الشعب مصيرها أسودا إن لم يكن عليك كحاكم فعلى أبنائك أو سلالة أسرتك الباقية ... وهذا ما حدث بالفعل مع حكم بني أمية والعباسيين والعثمانيين وقبلها الخلافات والصراعات والفجور في الخصومة في حكم "علي ابن أبي طالب وعثمان ابن عفان" ... وصولا إلى انقلاب الملكية في "اليمن والعراق ومصر والمغرب وليبيا والحجاز" والتحولات في "سوريا والجزائر والسودان ولبنان" ... كلها تحولات تعطيك أدلة موثوقة لا تقبل الشك نهائيا من أن السماح بفرصة ثانية للخائن حتى يعود ويرتجع عن خيانته كان لها ثمنا باهظا للغاية ... فخونة الأوطان لا مجال لمسامحتهم ولا 1% وإلا طعنة الظهر ستأتيك بيد من عفوت عنه ومنحته فرصة أخرى ... والقاعدة التاريخية للحكم هي "أنه لا يوجد حاكم أو نظام حكم بلا أخطاء أو جرائم" لأنك تحكم بشرا وليس ملائكة والبشر يصيب ويخطئ والناس ثقافات وعقولا مختلفة ومتضاربة ... لكن بالرغم من النهايات المأساوية التي مات عليها الحكام والملوك والسلاطين والتي بنسبة لا تقل عن 95% لا أحد مطلقا يعلم مكان قبورهم بفعل الإنتقام السياسي والشخصي وظروف الحياة وتوالد عشرات ومئات الأجيال يبقى الأمر كما هو أن الحكام لا يتعظون ممن سبقهم ... والمدهش في الأمر أن المنافقين والخونة هم دائما من ينجون بأنفسهم وبما سرقوه ويهلك سيدهم دون رحمة أو شفقة والتاريخ يسجل سواد أيام الحاكم ولا يذكر الخونة والمنافقين لأنهم يعملون من خلف الستار ... ولذلك لا ملجأ لأي حاكم إلا الله سبحانه ثم شعبه فإن أعطاه الحب وأغدق عليهم من خيراتهم بصدق وأمانة صنع لنفسه درعا جبارا ... وإن احتضن الخونة والمنافقين مات وملائكة النار تمزق روحه تمزيقا أما إن كان طيبا صالحا كريما عادلا وفيا لأرضه وشعبه بكت عليه الرعية وازدحمت المقابر من أجله وأكرمته ملائكة الجنة برحمة ربه ... ويبقى الخونة والمنافقين هم الفَيصَل في هلاك كل حاكم وكل نظام حكم بيدك أدخلتهم إلى قصرك وبيدك منحتهم الأموال وبيدك سلمتهم سيفك ليطعنوك طعنة غادرة لا تخطئ واليا ولا حاكما ... واعتبروا من حكم ممن سبقوكم قديما وحديثا عل وعسى يتلطف ويتكرم ويتفضل ربكم عليكم بأن يرزقكم البصيرة الثاقبة والبطانة المخلصة الصالحة ... فاحذروا ثم احذروا الخونة والمنافقين فإنهم رؤوس الشياطين لا رب لهم ولا دين وهذا هو ديدنهم منذ آلاف السنين ؟


  


دمتم بود ...


 

وسعوا صدوركم