2021-04-20

حُكم البـلاد والقـرآن .. لا يلتقيان ولا يتفقان ؟

 

في سنة 65هـ الموافق 684م رُوي أن أمير المؤمنين وخليفة المسلمين "عبدالملك بن مروان" عندما وصله الخبر أن الخلافة قد آلت اليه وكان حينها يقرأ القران فأطبقه وأغلقه ووضعه جانبا ثم تحدث إلى كتاب الله قائلا : هذا آخر عهدنا بك هذا فراق بيني وبينك ... ثم خرج يخطب بالمسلمين وقال فيهم : فإني لست بالخليفة المُستضعف "يقصد عثمان بن عفان" ولا بالخليفة المُداهن "يقصد معاوية ابن أبي سفيان" ولا بالخليفة المَأفون "يقصد يزيد ابن معاوية" ... ألا وانى لا أداوى هذه الأمة اٍلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم ... والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضَربتُ عُنقه "انتهى الإقتباس" ... فتحول أحد أشهر فقهاء المدينة المنورة إلى طاغية حَكَمَ بقوة السيف وبسفك الدماء وبإكراه الرعية على الغزو والقتال ومن يتخلف منهم كانت تصادر داره وكل ما يملك ... لم يكن ما سبق من كلمات إلا أقل من 1% مما كان يحدث في حياة المسلمين بعد وفاة رسولنا عليه صلوات ربي وأفضل التسليم ... فقد كان المسلمين ولا يزالون في فتن وعصبية الجاهلية وصراعات دموية وأحقاد ثأرية مفرطة القسوة على حكم البلاد والعباد ... حتى أن الكثير الكثير من حكام المسلمين قديما وحديثا لا دخل ولا شأن لهم بدين الله سبحانه ولا بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد من هول ما اقترفوه من فظائع وجرائم وفساد ... ومن أين تبدأ بها لا تعرف هل من مقارعة الخمر أم من الزنى أم من الظلم أم من القتل أم من الجزية أم من الإكراه على الغزوات ... فكانت فعلا فساد المنهج وانحراف التطبيق وصناعة الدين السياسي وتطويع رجال الدين بالمال أو بالسيف فصدرت ملايين الفتاوي التي تبيح ما حرّم الله ... فتحول الطغيان والإستبداد بالتحول السياسي من الخلافة الإسلامية إلى نظام الملكية والتي أول من أعلن نفسه ملكا في التاريخ الإسلامي هو "معاوية بن أبي سفيان" في سنة 41 هجرية ... والقارئ للتاريخ الإسلامي القديم لا يستطيع أن يصف كل الفتن والأحداث والمعارك والحروب إلا أن تلك الأمة ممن سبقونا كانوا قوم دنيا وليسوا قوم أخرة ... ونعم حدثت غزوات إسلامية وفتوحات واسعة النطاق لكنها كلها كانت بالإكراه وبإغراء على مكتسبات الغزوات من غنائم مختلفة من سبايا وجواري وعبيد وأموال وأحصنة وسيوف وغيرها ؟

 

يقول المفكر والفيلسوف السعودي "عبد الله القصيمي" في كتابه الذي صدر في سنة 1977 بعنوان "العرب ظاهرة صوتية" فيحلل بشكل بليغ الشخصية العربية فيقول : العربي دائما لا يفخر أو يجدد تقواه وإيمانه وتديّنه إلا بالكوارث والهزائم والفضائح والهوان إنه لا يتذكّر الله إلا مهزوما مفضوحا مهانا مذعورا "انتهى الإقتباس" ... ولذلك "قديمــــا" توجد نقطة ضعف لدى المسلمين كافة وهي الإيمــــان يرتعبون من أن يمسها أحدا ولا يسمحون لمخلوق بأن يشكك بدينهم وعقيدتهم أو حتى أن يصحح مفاهيمهم الشرعية ... وتلك النقطة المهمة التي اخترقها الحكام المسلمين لحكم المسلمين بترهيبهم من الله سبحانه وأن طاعة الخليفة من طاعة الله سبحانه ولا يوجد أفضل من يدعم تلك القصة أكثر من تجار الدين ... وتلازمت هذه العقيدة والعقدة لأكثر من 1.400 عام وحتى أيامنا هذه لكن طرأ على الفكرة والعقيدة والعقدة عدة تغيرات ظرفية ببدع الدين السياسي ... فبالأمس كان الرعب على الدين والإسلام وتوحيد الأمة كما كانت حجتهم واليوم الحجة هي أمن وأمان الأوطان وأن الأوطان تحاك ضدها المخططات والمؤامرات ... وتلك البدعة الحديثة والحجة كانت صناعة شيوعية عندما صنعت الشيوعية جيلا من الجياع والرعاع فأوصلوهم إلى حكم بلادهم ... فأسقطوا الملكية في العراق ومصر واليمن وليبيا فسرقوا أموال وممتلكات الأسر الملكية كافة وكانت ثورة الجياع بامتياز ... وعلى الجانب الأخر كان هناك فريقا تابعا لفرنسا وبريطانيا حتى تسيّدت أمريكا على المشهد فانتهزت حرية وكرامة الأوطان العربية فأصبح الكل اليوم تابعا مطيعا ... ولا يمكنك أن تبعد نظرك عن الكم المهول والمرعب والخرافي من الجرائم التي ارتكبت في العصر الحديث وتحديدا من سنة 1920 إلى 2021 أي خلال 100 عام ... فصدق الأغبياء والسذج أن السعودية تمثل الإسلام السني وإيران تمثل الإسلام الشيعي والحقيقة هي أن "النظامين" وليس "الشعبين" النظامين نظامين سياسيين يمارسون الدين السياسي بامتياز وهذا مثال بسيط وإسقاط واقعي من الماضي على الحاضر ... والشخصية العربية بسيكولوجيتها المليئة بالأمراض والعقد والمتعلقة بالماضي لو دققتها وأجريت عليها مسحا سريعا جدا ستكتشف بسهولة أنها لا تثق بالشخصية العربية أي أن العربي لا يثق بالعربي بل ولا يستهويه لكنها شخصية تتأثر سريعا وتثق بالشخصية الغربية ... بمعنى لو أيدك وأحبك وأعجب بك مليون عربي فستجد 400 مليون عربي أخرين يتنمرون عليك ويستحقرونك حتى وإن أطلقت عجائب الكلمات والحديث فقط لأنك عربي منهم وفيهم ... وطالما أنك عربي فيجب أن ينقضّوا على ماضيك وأسراره ويفتشون عن سلبياتك وعيوبك لا يسامحون ولا يغفرون لكن لو كان المتحدث أو الكاتب أجنبي لاستمعوا وأنصتوا له باهتمام بالغ ولقرؤا له بعناية فائقة ... تلك السيكولوجية العربية هي أسهل شخصية يسهل تطويعها من قبل أي حاكم عربي فمن لا يخضع باللين خضع بالقوة ... أمة مريضة ومعقدة منذ مئات وآلاف السنين تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا "إلا من رحم ربي" ؟ 

لا يوجد حكم في العالم الإسلامي دون أخطاء ودون ظلم ودون جرائم ودون فسادا وسرقات لا يوجد ولن يوجد وتلك الحقيقة المطلقة التي لا يجب أن تغيب عن عقل أيا منكم ... فالمسألة شبه معممة إذا ما قارنا بأعداد حكام وخلفاء المسلمين في التاريخ الإسلامي والذي يتجاوز عددهم أكثر من 300 خليفة وأميرا للمؤمنين ولا تستطيع أن تخرج منهم خليفة عادلا إلا ما لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ... مثل الخليفة الراشد "الحسن ابن علي" والذي حكم لمدة 6 أشهر ثم سلم الحكم لمعاوية ابن أبي سفيان والخليفة الأموي الراشد "عمر ابن عبدالعزيز" ... وفي العصر الحديث لا تستطيع أن تخرج أفضل الحكام وأعدلهم وأعقلهم إلا ما لا يزيد عن 5 حكام كأفضل تقدير ولا داعي لذكرهم حتى لا تستفز الأسماء البعض منكم ... وبالتالي يتضح جليا أن الحاكم في حكمه لا يتفق مع كتاب الله ولا يلتقي مع القرآن الكريم ولا حتى بنسبة 1% ... لأنه وببساطة لو عمل الحاكم بكتاب الله جل علاه فلن يوجد لديه فقيرا ولا محتاجا ولا مسكينا ولا مظلوما ولا قتلا ولا جرائم ولا انتهاكات إنسانية وأخلاقية وتلك نكته سخيفة في زماننا بالتأكيد ... والأهم لو وجد الحاكم العابد الزاهد لقتلوه أو انقلبوا عليه لأن كل قصور الحكم في حقيقتها هي مخترقة من قبل الغرب والأعداء والأقرباء الطامعين بسلطة الحكم ... ومن أغرب ما قرأت ورأيت هو أن الحكام لا يتّعظون ممن سبقهم ولا يقيمون لله وزنا "إلا من رحم الله منهم" ... فتخرج لنا النتيجة المؤكدة بأن الفساد في الوطن العربي هو فساد مصطنع والمشاكل السياسية والإقتصادية مصطنعة والحقيقة التي كشفتها فضائح "ويكيليكس" ووثائق "بنما" تتحدث عن مبلغ يتجاوز أكثر من 800 مليــــار دولار هي سرقات حكام ورؤساء حكومات وأبناء حكام وأسرهم خلال فقط الـ 20 سنة الماضية ... فكم هي سرقاتهم وفسادهم خلال 50 و 70 سنة الماضية بالتأكيد الرقم داخل في الترليون دولار ... ولذلك حكم البلاد في أيامكم هذه لا يتفق ولا يلتقي مع كتاب ربكم وشريعته لا في نصفه ولا في ربعه ولا حتى في 10% منه "إلا من رحم ربي منهم" ... ولا أكثر إجراما وفسادا وظلما من "علي عبدالله صالح وصدام حسين ومعمر القذافي وجحش سوريا بشار الأسد وزين العبدين بن علي" وغيرهم الكثيرين ... ولا إسقاطا للفساد أكثر من عربدة الخليفة الأموي "الوليد ابن يزيد" وفساد الخلفاء في العهد الأموي والعباسي ومغالاتهم بالجواري والغلمان حتى خرج العديد من نسل تلك الخلافة من هو ابن جارية ... وما أكثر من تم الزنى بهن وحملن ثم طردن من قصور الحكم أو قتلن وما أكثر ما كنزوا الذهب والمال فذهبوا إلى ربهم حفاة عراة والناس تلعنهم ... ولتفتوا إلى التاريخ الإسلامي فكم الفتن التي وقعت بين المسلمين لا تعد ولا تحصى كل منهم يريد الملك والحكم ولو أردت أن أضرب مثالا فنظروا ماذا حدث في سوريا كم فريقا أعلن ولايته على مناطق نفوذه أو تخيل السعودية يعلن فيها شقاق بين 7 أفراد كل فرد منهم ينصب نفسه ملكا فتصبح مملكة شاسعة المساحة يقتتل عليها 7 ملوك ... تلك الحالة هي كانت حال المسلمين قديما كانت فتن وأطماع وصراعات على الدنيا وكل منهم وله حجة ورأيا ومنطقا وحقا لكن الباطل كان في كم الفتن والقتال على السلطة وحب المال ... وأما في الفجور والرغبة المتوحشة بالإنتقام في التاريخ الإسلامي فيقول "محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي" : كنت مع "عبدالله بن علي" أول ما دخل دمشق دخلها بالسيف وأباح القتل فيها ثلاث ساعات وجعل جامعها سبعين يوماً إسطبلاً لدوابه وجماله ثم نبش قبور "بني أمية" فلم يجد في قبر "معاوية" إلا خيطاً أسود مثل الهباء ونبش قبر "عبدالملك بن مروان" فوجد جمجمته وكان يجد في القبر العضو بعد العضو إلا "هشام بن عبدالملك" وجده صحيحاً لم يبلى منه غير أرنبة أنفه فضربه بالسياط وهو ميت وصلبه أياماً ثم أحرقه ودقَّ رماده ثم ذره في الريح "انتهى الإقتباس" ... فأين كتاب الله سبحانه من أعمال وأفعال السابقون واللاحقون !!! ... هلك من ضاع عمره وهو يقاتل على الحكم والمناصب هلك وربي هلك فإن للأمانات وزنا وثقلا عظيما وحسابا عسيرا ؟

 

 

 

 

دمتم بود ...