2021-06-02

التناقضات الصارخة في التخصصات ؟

 

لو جلس أمامي رجل سياسة أو اقتصاد أو فلسفة أو دين ويحمل شهادة عليا ثم نجلس نتجاذب أطراف الحديث هنا وهناك وحتى إن كان في تخصصه فبكل ثقة وتواضع في نفس الوقت أستطيع أن أقول أن الجلسة ستكون ثرية في المعلومات ... أقول ما أقول وأنا لست من أصحاب التخصص ولا من أصحاب الشهادات العليا لكنها "الثقافة العامة" ... بمعنى يمكنك اليوم بفضل عالم الإنترنت وعلى مدى سنوات أن تصبح على علم أو حتى جزء من العلم في أي تخصص ... وبمعنى أعمق وأدق يمكنك أن تقرأ وتفهم في الطب والقانون والهندسة وكافة أنواع وأشكال الفنون بفضل ما أتيحت لك من عدد صفحات ومواقع الإنترنت التي تجاوزت أكثر من 1.7 مليار موقع وصفحة يستهلكها أكثر من 4.7 مليار نسمة يوميا ... لكن الثقافة العامة وإن وصلت إلى درجة عليا متقدمة تنفعك أنت شخصيا وبشكل خرافي مذهل ومدهش لكنها لن تنفعك في التخصص الذي يعتمد على "الدراسة والشهادة والتطبيق والممارسة والخبرة" ... أي أنك مهما بلغت من الثقافة لن تستطيع أن تقوم بعملية جراحية لإنسان إلا أن تكون مولعا عاشقا لمهنة الطب ولن تصبح محققا أمنيا إلا بعد أن تدخل سلك الشرطة وتحصل على رتبتك وتعين بشكل رسمي ... ولذلك العالم مليئ جدا بالمواهب التي تتجاوز حدود المعقول والمنطقي من أفراد يملكون قدرات استثنائية نادرا ما تجد من يملكها ... وفي البحث والتحليل عن هذه القدرات الإستثنائية لفهم أسباب عدم انخراطهم في العمل الرسمي لتعزيز مهاراتهم وقدراتهم الغير عادية سببها أن هؤلاء الأفراد يرفضون القيود ويرفضون التحكم بهم وفي قناعاتهم أن المنظومة "المجتمعية أو الإدارية" فاسدة ولا تستحق الإحترام ... ولذلك فضلوا الشّـذ عن القاعدة الجماهيرية حتى لو خسروا وحرقوا قدراتهم وهم يعلمون أن نهاية مواهبهم وقدراتهم الإحباط والتجاهل لكنهم نفسيا هم راضون ومقتنعين بقناعاتهم ؟

من تناقضات "معظم" المهن والتخصصات هي "ألا معقول" بمعنى أن التخصص وأي تخصص يرفض التناقض لأنه تخصص بني على علم والعلم بني على تجارب والتجارب بنيت على علماء والعلماء تحققوا من علمهم 100% ... وبالتالي التخصص يرفض التناقض أي أن التخصص عندما يحدثك عن معلومة فهي من المفترض أن تكون صحيحة 100% وليس حتى 95% ... لكن واقع الحياة وتفجر التكنولوجيا والمعلومة في زماننا خرجا بواقع ينسف القاعدة الأزلية بثقة التخصص أي أن اليوم ليس بالضرورة أن تثق في القاضي في المحقق في المهندس في الطبيب في المحامي في الصيدلي في في في في إلخ ... لأنه ثبت أن تضارب الأراء في قلب التخصصات نسفت الثقة كليا في من يتحدث دون النظر إلى لقب المتحدث ... وعلى سبيل المثال في قضية يأتي حكم أول درجة بالحبس للمتهم لمدة 10 سنوات وفي حكم الإستئناف يأتي الحكم بالبراءة وفي حكم التمييز تختتم القضية بالغرامة ... قضية واحدة تضاربت الأحكام حولها 3 مرات وهنا يتبين لنا أن الحكم صدر بناء على قناعات القاضي وليس بموجب التخصص القانوني الصرف ... ويبررون ذلك تحت مصطلحات "روح القانون - الإنسانية - الرأفة بالمتهم" وتلك مبررات نسفت التخصص برمته نتج عنه فقدان الثقة بالعدالة فأصبح القانون أعورا ناهيكم إلى أن 90% من قضاة دول العالم ومحاكمها هي محاكم فاسدة وقضاة مرتشين فاسدين ... وفي الطب طبيب يشخّص حالة ثم يأتي طبيبا أخرا ينسف تشخيص الطبيب الأول حتى خرج مصطلح طبي وقانوني "خطأ التشخيص" ينتج عنه "العلاج المتأخر" أي لا ينفع معه أي علاج ... حتى تحولت أعظم مهنة إنسانية عرفها الإنسان إلى تجارة خسيسة بأرواح البشرية بدليل وجود صراع شركات الدواء العالمية ووكلائهم المحليين فأصبح للمرض الواحد 50 نوع دواء مما يدل على حجم الفساد والجهل وجشع التجارة الذي أفسد التخصص ... وفي الهندسة كثيرا ما تتغير الرسومات الهندسية بسبب أخطاء حسابية وكثيرا ما يتم تغيير المكتب الهندسي وكثيرا هي المشاريع التي ثبت أخطائها الهندسية ... وفي الأمن كثير من الأمنيين والضباط والقياديين فاسدين ويقضون عطلاتهم ما بين السكر والعربدة وسط غياب الرقابة الأمنية بشكل تجعلك على قناعة بأن أمنك وأمن وطنك يسيران على بركة الرحمن وليس بسبب العمل بالأسباب والتخصص العلمي الأمني ... والمحامي الذي يدافع عن المتهم البريئ لكن هناك محامي أخر من نفس التخصص يعلم أن موكله لص أو فاسد أو مجرم فيدافع عنه بثقة الفاسد جهارا نهارا بيانا عيانا بوقاحة لا مثيل لها ففسدت مهنة المحاماة ... وكثير من الأمثلة على واقع مزري أصبح العالم يعيش فيه حتى وصلنا إلى أننا لا نثق بكلمة "متخصص" لأن المال أعمى الكثيرين وصراع الكراسي أفقد المهنية دورها وصولا إلى الإستهتار في البروتوكولات العلمية والوظيفية لدرجة المهزلة ... هذا غير مئات الآلاف من الفشلة والفاسدين الذين اشتروا الشهادات العلمية وسط فساد الجامعات والدول وفي ظل وجود حكومات فاسدة يقودها فاسدين فمن الطبيعي أن يخترق الفساد كل وأي تخصص فيصبح تخصص الفاسدين ... ولذلك يا أعزائي الكرام أنتم اليوم تعيشون في عالم اليوم هو عبارة عن مسرحية سخيفة أبطالها المتخصصين وجمهورها أنتم ... ولا أقرب مثال عن المتخصصين وما يكتبونه وينشرونه اليوم في مواقع التواصل الإجتماعي التي أوصلتنا اليوم إلى قناعة أخرى وهي أننا اليوم لا نواجه تناقض التخصص بل حتى في سيكولوجية المتخصص أي سلوك المتحدث ... الذي يجب أن يكون رفيعا ومنطقيا وواقعيا مدفوعا بثقة التخصص واحترام الشهادة والمكانة العلمية لكننا نجد العكس في الكثير منهم ولا نرى إلا شرذمة معتوهين يعانون من مشاكل نفسية واضحة ... وإياك ثم إياك أن تعارضه فمن أنت حتى لو كنت على صواب فتاه العالم اليوم بالمضطربين نفسيا وضعفاء عقليا ففقد التخصص ثقة الناس فيه ... وتلك من علامات انتشار الفساد في الأرض فكان الضحية في أيامكم كل متخصص فاهم واعي شريف دمث الخلق أمين يخاف الله في نفسه وفي علمه وفي قسمه وسبحان الصابر على عباده ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم