2021-06-05

حاكم ملعون وشعب ملعون ؟

 

من غرائب وعجائب الإنسان في كل تاريخه منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا بأنه لا يتعظ لا من تاريخه ولا من تاريخ غيره ولا مما ورد في الكتب السماوية وحتى في زمانه لا يريد أن يتعظ ... حالة غريبة فعلا يأخذك التفكير العميق جدا إلى محاولة فهم الأسباب التي تجهل من الكائن البشري في حالة من الرفض التي تجعله يقاوم على خطأ ويكابر على جهل ويستمر على أوهام !!! ... تاريخ طويل وطويل جدا يجعلك تتوقف أولا لتتفكر في عظمة الخالق عز وجل وحجم صبره على عباده صبرا يستحيل أن يقدره أو يستوعبه العقل البشري من حجمه ومداه ... ثم تلتفت إلى الإنسان نفسه لِم لَم يتعظ ؟ ما الذي جعله لا يتعلم من أخطاء ماضيه وماضي غيره ؟ ما العهد والأمان الذي وثق فيه في مستقبله وهو يعلم يقينا بأنه غير ضامن بأن يعيش أصلا لساعة قادمة أو يوما قادما ؟ ... يقرأ عن أحوال الأمم البائدة وتصله أخبار وأحوال أمما وشعوبا من حوله تصله أخبار المعجزات السماوية والكثيرين عايشوها ورأوها بأم أعينهم ... كتب سماوية نزلت لتروي للبشرية أحداثا لم يعايشوها وتنصحهم وتحذرهم فيركنوها جانبا ليطلقوا لشرور أنفسهم عنان الكبرياء والغرور ... يعاقب الله الأمم بحاكم فاجرا ظالما طاغيا فيذوق الرعية طعم الذُلّ والبؤس والقهر والفقر ولما يرفع ربكم البلاء عنهم ويقبض روح الطاغية لا يشكر الناس ربهم عملا بل فقط قولا ثم ينفلتوا انفلاتا الغوغاء المجانين ... تصاب البشرية بالوباء وبالإنهيارات الإقتصادية وبالحروب وبالفيضانات والزلازل ويوميا يدفنون موتاهم في المقابر ولا من يتعظ ولا من يريد أن يفهم !!! ما هذا الإنسان الوقح وما هذه النفس المريضة بالنرجسية ؟

إن الناس عندما يقرؤون التاريخ دائما ينصب تركيزهم على الحاكم الملعون لكنهم لا يريدون أن يتحدثوا عن الشعب الملعون ... والحقيقة كما أن هناك حكاما ملاعين في التاريخ البشري هناك شعوبا ملاعين وإن أردت أن تضع مبدأ "عدم التعميم" فهذا يعني أنك هناك حكاما أفاضل وهناك جزأ من شعوبا كراما ... ومن أغرب ما لاحظته في كتب التاريخ أن الشعوب منذ آلاف السنين تتحدث عن نفس النقطة ونفس القضية وهي "قضية الفساد" أي الفساد عندما يستشري في البلاد ويضرب العباد ... فأمم الأمس هي نفسها أمم اليوم يتحدثون عن فساد الحاكم وبطانته وتحالف التجار مع الأسرة الحاكمة هي هي نفس القضية منذ 100 و 1.000 و 10.000 آلاف سنة لم يتغير شيئا في القضية إلا اللهم تغير المتحدث ومنطقه وثيابه والوسيلة فقط ... والناس بطبيعتها وسوادها الأعظم تفتش عن عيوب الأخرين لكن الويل لك إن فتشت في عيوبها ويحق لهم أن يتحدثوا عن فساد البلاد لكن عظائم الأمور عليك إن تحدثت عن فسادهم !!! ... وكأنها جينات الغباء البشري تتوارثها أجيالا بعد أجيالا أوليس الفاسد هو ابن وطنك ؟ أليس الفاسد هو صديقك أو قريبك ؟ أليس الفاسد من تفرح إذا وطأت أقدامه مجالسك فتفرح به فرحا كبيرا وتقدمه في صدر المجالس ؟ أليس الأمر اليوم وأمس ومنذ القدم مصالح ومجاملات ومظاهر ونفاق اجتماعي ؟ ... فإن كان هناك حاكما فاسدا فبمقابله ملايين الفاسدين وإن كان هناك لصا فهناك مئات الآلاف من اللصوص في نفس الأرض والبلد أوليس هذا التاريخ البشري أم نضحك على أنفسنا ؟ ... انظر كيف يتحدثون عن الفساد وكأنهم ملائكة الله على الأرض تمشي على أقدامها ثم انظر كيف يجلدون الحاكم وكأنه الشيطان الرجيم وهم جلادين جهنم !!! ... إن المنطق والتاريخ والكتب السماوية كلها أدلة وحقائق قاطعة اليقين بأن الحلل في الإنسان نفسه في تفكيره في طمعه في جشعه في قناعاته في جنون رغباته التي لا يستطيع أن يكبح جماحها ؟

في ليبيا كان يحكمها حاكما ملعونا طاغيا مجرما متوحشا لصا فاسدا و1اق شعبه على يده الذل والقهر ولما سقط طاغيتهم وإذ بالمساكين يتحولون إلى كائنات متوحشة هذا يقتل هذا وذاك يسرق ذاك فضاع الأمن والأمان وزاد فقر الناس أكثر وأكثر ... وفي العراق كان يحكمهم أحد أشهر طواغيت زمانهم فأهلك شعب العراق حروبا وخسائرا وذلا وفقرا وجوعا ونكل برعيته تنكيلا طاف بني أمية والعباسيين جبروتا عليهم ... ولما سقط الطاغية وإذ بأهل العراق يسرقون وطنهم وينهبونه جهارا نهارا وسلموا وطنهم لإيران فأصبحت هي من تحكم العراق فعليا وكل من هم على المشهد مجرد أدوات ومسرحية سياسية جدا سخيفة ... أليست تلك أمثلة على شعوب الملاعين وحكاما ملاعين ؟ هذا فقط في زمانكم القريب وليس من التاريخ البعيد وضعته أمامكم ... ولو سألت كائنا من يكون : ماذا تعرف عن الشيطان ؟ الإجابة التقليدية ستكون : هو كائنا ملعونا خالدا مخلدا في جهنم وقد حذرنا ربنا سبحانه كثيرا وكثيرا جدا في كتابه الكريم ... حسنا ونذهب للسؤال التالي : وهل هناك بشرا شاهد بعينيه الشيطان على هيئته الحقيقية ؟ الإجابة : عرفناه معنويا لكننا نجهله بشكل مادي أي لا أحدا بالمطلق يعرف شكل الشيطان الرجيم أو حتى تحدث معه ... وفي الجرائم هناك "فاعل ومفعول به" أي في واقعنا وفي حياتنا نحن نرى الإنسان هو من يُفسِد ويسرق ويقتل ويخبث ويكيد أي لدينا متهم ومجرم وجاني عليه أدلة مادية لا تقبل الشك أو اللبس ولم نرى الشيطان على هيئته يقدم للمحاكمة ولا رأيناه هو من يُفسِد ويقتل ويسرق بل رأينا إنسانا مثلنا كخلق ... إذن نحن أمام متهم واحد فقط وهو الإنسان أما الشيطان فهذا حديث له موعدا يوم القيامة عند رب لا يظلم مثقال ذرة سبحانه وتعالى لكن في حياتنا نحن نريد أن نحدد من هو ملعون الأفعال ؟ ... بطبيعة الحال سيكون هو الإنسان حتى إن لم نعمم يبقى الإنسان هو المتهم الثابت والمؤكد في كل مصائب وكوارث الأرض بكل وكافة أشكالها وأنواعها ... لأن ربكم جل جلاله لم يُنزّل الكتب السماوية على خلقا غير الإنسان "حسب فهمنا وعلمنا" وبالتالي الحاكم إنسان والرعية أو الشعوب هم مجموعة إنسان ... وطالما وجد حاكما لصا فهناك من رعيته ومن أرضه ووطنه لصوصا وإن كان هناك حاكما فاسدا فاجرا فهناك من دولته ومن رعيته وأرضه فاسدين وفاجرين ... فلا تلوموا ربكم بل لوموا أنفسكم أنتم من لا تتعظون لا من كتب سماوية ولا من كتب التاريخ ولا من أحداث وقعت في زمانكم ولا من مشاهد وحوادث تحدث في أيامكم وحتى وأنتم تدفنون أبنائكم وآبائكم وأقاربكم وأصدقائكم تخرجون من مقابركم وكأنكم ما دخلتموها قط !!! ... بشرية منذ آلاف السنين تثرثر على قضية الفساد وهم فاسدين وفاجرين وانظروا ماذا فعل قوم رسولكم فيه فكان الصادق الأمين ثم تحول إلى الساحر المجنون وقوم موسى كسف تناسوا قهرهم وذلّهم فتحولوا من عبيدا إلى أسيادا عصاة وقوم عيسى كيف بين ليلة وضحاها انقلبوا عليه ووقفوا يستمتعون وهم يُصلب ويُعذب ويشتمونه علنا "حسب اعتقادهم" ... فعن ماذا نتحدث هل نتحدث عن كائن في كوكب أخر أم نتحدث عن الإنسان الذي كلنا نرجع إلى نسل ونسب رجل واحدا وأنثى واحدة وهما "آدم وحواء" ... فواجهوا أنفسكم وحاسبوها قبل أن تطلقوا ألسنتكم على قضايا أنتم جزأ من المشكلة والعلة وإلا لا فرق بينكم وبين أمما تافهة جاهلة سبقتكم منذ آلاف السنين ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم