2021-05-06

سجناء عظماء وسجناء مظلومين وسجناء ظالمين ؟

 

لا أحد في كل التاريخ البشري يعلم من هو أول من اقترح ونفذ عملية "سجن الإنسان" أو "حجز حرية إنسان" إلا ما أخبرنا به ربنا سبحانه في سورة يوسف من خلال نبي الله "يوسف ابن يعقوب" عليه السلام في سنة 1400 قبل الميلاد ... والطبيعة البشرية أو ما ألفته الناس في مجتمعاتها هو الجهل الفاضح والواسع النطاق في مسألة السجن فعندما يسمع أحد ما أن فلانا كان سجينا تلقائيا عقله "الجاهل" يذهب إلى أن فلانا حتما وبالتأكيد مجرما ... يعرفه لا يعرفه شهد على قضيته أو موضوعه أم لم يشهد الإنطباع واحد فلانا مجرما وانتهى الأمر ... لكن بالتأكيد للأمر حقيقة أخرى ووجها أخر ينسف كل قناعات المجتمعات البشرية التي رُسّخت في قناعاتها فهما خاطئا واعتقادا جاهلا ... فالواقع يثبت بألف دليل ودليل أن ليس كل سجين يعني أنه مجرما ولا كل سجين ظالما ولا كل سجين بريئا ... الفرق يا سادة أن هناك قضية وكل قضية لها ظرفها وكل ظرف له إسقاط ظرفي بمعنى فلانا اتهم في قضية شيك بمبلغ بسيط وأخذ حكما بالسجن 3 سنوات ... القضية ظاهرها قضية شيك بدون رصيد وسجن المتهم فتترسخ في قناعاتك أنه نصاب محتال لكنك لم تبحث عن الظروف القاهرة والأسباب الحقيقية خلف هذا المتهم في الظرف نفسه وأسبابه واكتفيت بترسيخ قناعة خاطئة تماما ... مثل رجلا أعرفه سجل على نفسه شيكا بقيمة 10 آلاف دينار مضطرا اضطرارا قاهرا لكن المبلغ الحقيقي كان 3 آلاف دينار فقط  وتم سجنه ثم بعد أشهر طويلة دفع الـ 3 آلاف وانتهت القضية لكن لم يسأل أحدا في القضاء ولا في الشرطة كيف كان المبلغ 10 وأصبحت 3 ولن يسأل أحدا لأن لا أحد يريد الحقيقة بل لا أحد يريد حتى أن يستمع لها ؟

إن في مسألة سجن الإنسان عظماء وأيضا طغاة فقد سجن من الطغاة "صدام حسين - هتلر - حسني مبارك - عمر البشير - موسيليني - إيهود أولمرت" والكثير الكثير من الرؤساء والحكام والقادة ... وفي الوجه الأخر هناك عظماء تم سجنهم على سبيل المثال "يوسف عليه السلام - الإمام أحمد ابن حنبل - الإمام الشافعي - الإمام أبو حنيفة النعمان - الإمام مالك - الشيخ ابن تيمية - عمر المختار - نيلسون مانديلا - محمد الجواهري - طه حسين - عباس العقاد" وغيرهم الكثير الكثير ... إذا هنا إثبات قطعي الثبوت أن ليس كل سجين يعني أنه مجرما فهناك ظلما قد يكون سببه الحاكم أو الحكومة ويعتبر هذا "قضاء سياسي" ... وقد يكون بسبب قصور في التشريعات والقوانين وقد يكون القاضي جاهلا أو ظالما وقد يكون المحامي مهملا أو فاسدا ... كلها أسباب قد تكون وقد لا تكون لكن يبقى اليقين والحقيقة ثابتا وهي أن ليس كل من سجن يعني أنه مجرما حقيقيا ... مثل المتهم المغربي "عيسى صابر" الذي اتهم بجريمة قتل وحبس وضاع من عمره 20 عاما لتكتشف المحكمة بعد كل هذه السنين بأنه بريئا وأطلق سراحه ... والأمريكي "دافيد رانتا" الذي سجن لمدة 23 سنة على جريمة لم يرتكبها حتى أعلنت برائته في 2013 ... وملايين الملايين من أبرياء سجنوا زورا وظلما وبهتانا بسبب طغاة زمانهم أو بطغيان قضاتهم كما أن هناك من سجنوا حقا بصحة جرمهم ؟

إن آثار السجن تبقى مع السجين حتى يموت سواء مات في السجن أو مات خارجه تبقى الأثار النفسية راسخة في وجدانه تسبب ألما ووجعا له حتى يموت ... ومصدر هذا الألم والوجع أنه بريئا أو ضحية ظروف قاهرة أو بسبب إهمالا وقسوة من ذوي القربى من أهله أثناء سجنه ... كلها تبقى أثارا لا تزول حتى الممات لقسوة التجربة المريرة التي يستحيل أن يفهم شعورها ومعانيها إلا صاحبها فقط ... ومن سخرية الأقدار أن يسجن الضعيف والفقير والمسكين ويفلت من العقاب ومن السجون من سرقوا الأوطان وانتهكوا المال العام لشعب بأسره ... وحكاما من الفاسدين واللصوص وملايين من المحامين الفاسدين والسارقين والكثير ممن رموا أوطانهم في حروب قضت على الملايين من الأنفس البشرية ... مع عدم إغفال أن هناك أيضا مئات الآلاف من القضاة الفاسدين ومن القضاة الصوص والمئات من السياسيين الذين باعوا دينهم وشرفهم ... كلها عينات موجودة في التاريخ القديم والحديث لا تعبّر إلا عن حقيقة واحدة وهي أن العدالة بين الناس نسبية وليست مطلقة ولن تكون كاملة ... لكن من العقل ورجاحته أن لا تترسخ قناعات كاذبة في أذهانكم فتصدق جهلا ووهما أن كل من دخل السجن فهو مجرما ... فكم من سجين خرج وأصبح عالما وإماما وحاكما ومثقفا داهيا وفيلسوفا بارعا وكم من سجين خرج مهموما مكسورا ومات مظلوما ... وكم من امرأة سُجنت ظلما لطيبة قلبها فدفعت ثمنا كسر ظهرها وكم من رجلا سُجن مضطرا وعاش مقهورا في زمن الكل يقف متفرجا لا يعنيه إلا نفسه وينسج من خيال جهله واقعا كاذبا ... وصدق من قال "يا ما في السجن مظاليم ويا ما في الخارج مجرمين" ... وتبقى القناعة الخاطئة هي السائدة في المجتمعات الجاهلة وعند الله تلتقي الخصوم عند ملك الملوك الذي لا يظلم ولا يخطئ سبحانه أعدل العادلين ؟




دمتم بود ...