في سالف العصر والزمان وتحديدا في فترة حروب "السيف والنبلة والرمح والمنجنيق" تعايشت البشرية مع واقع ألفته منذ آلاف السنين ... واقع بشري حقيقي يبدأ من الغزو والإحتلال والسيطرة على مقدرات الأراضي وتملّك الشعوب وصولا إلى تحويل الأحرار من الشعوب إلى سبايا وعبيد لتنشيط تجارة العبيد والجواري التي كانت من أشهر التجارات البشرية في كل بقاع الأرض ... ولو حللنا بعمق الواقع البشري لفهم أسباب التعايش والتسليم بالواقع آنذاك سنكتشف أن الطبيعة البشرية قد تعودت على التغيير وفق منظورها بالتأكيد لكنها لا تعلم أن أصل خلقها هو أن تتعلم وتفهم وتتكيف وتتعايش مع كل واقع وكل حدث في أي ظرف كان ... وعلى سبيل المثال أسوقه لحضراتكم مثلا شعب يعشق حاكمه ومتعايش مع أرضه وحكومته وفجأة تحدث حربا ثم غزوا ثم احتلالا ويُقتل الحاكم وتتحول أسرته إلى سبايا وعبيد يساقون إلى الأسواق علنا لبيعهم بهدف إذلالهم أمام رعيتهم ولتحقيق عامل الرعب والردع في نفوس الشعب ... وبعد أن تتطاير الأخبار هنا وهناك يفقد الشعب أي أمل برجوع أي أحدا لإنقاذهم ويفقد الأمل بعدم وجود وريث للأسرة الحاكمة فتتحول حالة الرفض إلى حالة من الإستسلام الطوعي ... ثم بعد أسابيع وأشهرا تلقائيا ستجد الشعب الذي تم احتلاله يتحول من حالة الإستسلام إلى حالة الإندماج مع السلطة الجديدة وتداخل مجتمع الغازي مع مجتمع المحتل فتتحرك الفطرة البشرية بالتعايش فيندمج الشعبان فيصبحا شعبا واحدا ... تلك بالفعل كانت حياة الأمم منذ آلاف السنين سطرتها لنا كتب التاريخ أو ما تيسر منها لتوضح واقع ما كان يحدث لفهم حقيقة التحولات الفكرية والإجتماعية في السيكولوجية البشرية ... في ظل عالم لا يوجد فيه أمم متحدة ولا اتفاقيات دولية ولا محاكم دولية ولا صحف ولا مجلات ولا مراسلين ولا قنوات فضائية ولا إنترنت ولا مواقع تواصل اجتماعي إلخ ؟
في أيامنا هذه هناك سلوك شاذ وواقع عليه مئات الأدلة والبراهين التي تثبت بأن هناك من يَفرِض جبرا وكرها تغيير الواقع على الرغم من وجود تنظيم دولي وقوانين واتفاقيات ومحاكم دولية ... ضاربا بعرض الحائط بجهله طبعا كل سيرة الأمم والحكام والسلاطين وما سطرته الكتب السماوية لفرض واقعه على الآخرين دون النظر بالمطلق إلى اليقين والواقع ... وهذا بالتأكيد حدث وما زال يحدث عندما ترى هناك من حَوّل المجرم إلى بريء والطاغية إلى وطني والفاسد إلى شريف واللص إلى شخصية محترمة ... ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى قتل الأبرياء وسجن الكثير من الشعب تحت أعذار "الشرف والوطنية" ... وفي كل عصر وفي كل زمان تتكرر نفس القصة ونفس المشهد ونفس الحجة ونفس الممارسة وهي "نحن من في السلطة وأعوانهم من التجار يحق لنا أن نُفسِد ونسرق ونستولي على مقدرات الأوطان وكل الشعب لا يحق له أن يرمي الشرفاء بالباطل" ... حتى وإن وجدت أو أوجدت الدليل على أنهم لصوص وفاسدين كن على ثقة سيخرج من يبرر لهم والقضاء الفاسد سينجيهم ويبرئهم من لصوصيتهم ... فيتحول اللص إلى مكيدة حاكها ضده الأوغاد والرعاع من الشعب وأعداء الوطن ويتحول الفاسد إلى مظلوم تعرض لمؤامرة من شرذمة أوباش خونة عملاء للخارج ... وتلك سيرة وواقع من سبقوكم وفي أيامكم وحتى في مستقبلكم يتكرر وستكرر نفس المشهد وتتكرر نفس الحجة التي تنتشر في كل مجتمعات العالم "خذ مصلحتك ولا تفرط بالمسؤل حتى يأتيك نصيبك وحتى لا تخرج صفر اليدين" ... هي سياسة العبيد والمنافقين كلما وجدوا سيدا قويا سواء في السلطة أو المال التفوا من حوله وجعلوه مقدسا ووليا لنعمتهم ومتى ما سقط أو مات بحثوا عن غيره ليقدموا له فروض الولاء والطاعة ؟
من غرائب وعجائب زمانكم هذا أن هناك من يعزز فرض التناقض من واقع عِلم الكذب الذي أول من حول الكذب إلى عِلما له مناهج هي "ألمانيا" أثناء حكم النازية هي ذاتها التي أخرجت مقولة "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس" وكان صاحبها وزير الدعاية في ألمانيا النازية "يوزف غوبلز" ... وتنجح الأكاذيب وتنتشر وتتحول إلى حقائق دائما في الدول التي تمتلك أمة سفيهة جاهلة سطحية الفكر لا تقرأ لا تبحث لا تتحقق فتعتمد بثقافتها على "خاصية السمع" فقط وحصريا اعتمادا على موثوقية المتحدث أو الناقل ... مثل من يعتقد اليوم بأن "صدام حسين" بطلا شجاعا ولو بحثوا وتعمقوا في البحث لاكتشفوا بأنه أقذر شخصية عربية وأكثر الحكام العرب طغيانا وإجراما وكذبا ... أو من يعتقد أن "معمر القذافي" بطلا وطنيا ولو بحث وتعمق لاكتشف بسهولة بأنه أصلا ليس مسلما لأنه طعن بذات الله سبحانه كثيرا وعلنا وبشكل مسجل وموثق بالتاريخ والساعة والتسجيل والصوت ومكان الحديث بالإضافة إلى جرائمه الدموية بحق شعبه ... أو حتى في مواقع التواصل الإجتماعي التي تنشر الأكاذيب والإفتراءات فيصدقها المغفلين وبسطاء العقول دون أن يتحققوا من صحتها فينجح الكذاب بجعلك أنت إحدى بهائم الأرض لا عقل ولا فهما لها ... مع إن في زمانكم هذا المعلومة والحقيقة تسجُد تحت أقدامكم لكن لا أحد يكلف نفسه عناء النظر لمعرفتها وفهم الحقيقة تخيل !!! ... وتلك إحدى عجائب زمانكم فعلا أن المعلومة والحقيقة والثقافة تحت أقدام الجميع ومع ذلك ينتشر الجهل بشكل خرافي صادم ليس في دولكم فحسب بل في كل دول العالم ... ولذلك يتسيد المشهد السياسي اليوم شرذمة أطفال سياسة وحمقى وسفهاء سياسة وقليل من العقلاء والحكماء ويتسيّد المشهد الإجتماعي الكثير من الكذّابين والمنافقين والسفهاء والجهلة ويتسيّد المشهد الإقتصادي لصوص كبار وصغار وفاسدين لا رحمة في قلوبهم من شدة جشعهم وطمعهم ... فأصبح كل شيء وله مبرر وكل قيم ومبادئ يمكن أن تتغير وكل خطوط حمراء يمكن أن تسحقها بقدميك بدافع الأطماع الشخصية ... والعدالة عوراء والقضاء فاسد والقضايا الإنسانية ليست بالمهمة واليهود والصهاينة أبرياء والحرب ضد دينكم وإسلامكم فيها وجهة نظر ومبرر ... والحاكم الفاسد والمجرم إن مات بكت عليه الملايين والعري له أسبابه والحريات يجب أن تكون مطلقه من باب "كل شخص حرا ومسؤلا عن نفسه" ... ولو كانت حياة الأمم والشعوب بمبدأ "كل شخص حر بنفسه أو مسؤل عن نفسه" لِمَ بعث لكم ربكم الأنبياء والمرسلين ولم أنزل لكم الكتب السماوية بشرائعها أليس حتى تضبط انفلاتكم وتضع حدا للفوضى ؟ ... ولو كنت حرا في نفسك وفي تصرفاتك لِم وُجِد حاكما فوق رأسك وحكومة تقودك وقوانين مقيدة وضابطة لحياتكم وشرطة وقضاء ليعاقبوا من يخالف تلك القوانين ؟ ... ادعوا ربكم سبحانه أن يثبت عقولكم ويحمي إيمان قلوبكم ويثبتكم على الصلاح فنحن في زمن ضعف فيه القرآن وضعفت فيه عبرة المقابر والكذب والإفتراء أصبح كشربة الماء والظلم بين البشر أصبح أمرا مألوفا ... وخلاصة زمانكم هذا هي "الغالبية أو الكثرة لا تعني أنهم على الحق والصواب بل انقلبت المعادلة من هول التناقضات فأصبحت الكثرة أو الغالبية هم على خطأ والقلة على حق وصواب أو في شكل أخر الجماعة على خطأ والفرد على صواب" وما بين قد وقد وربما ويمكن حياتكم ومجتمعاتكم اليوم تعيش في فوضى التناقضات ... بدليل أن الأسر مفككة والمجتمعات مهلهلة والشعوب مطبلة والجهل رايات مرفرفة والمنافقين أيادي مصفقة والأوطان صارت ممزقة ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم